صندوق دولي لمواجهة أوبئة المستقبل
أظهرت التبعات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية المدمرة لوباء كوفيد19، الحاجة الماسة إلى تنسيق الجهود الرامية إلى بناء نظم صحية أكثر قوة واستقرارا، وأهمية وضرورة توجيه المصادر المالية والفنية الكافية لمنع حدوث الأوبئة من الأساس، والتحضير والتجهيز لها، مع تفعيل الاستجابة الكافية حال وقوعها.
وهو ما حدى بمجلس إدارة البنك الدولي مؤخرا، بالموافقة على تأسيس صندوق مالي مرحلي، لتمويل الاستثمارات الضرورية لزيادة القدرات على الوقاية والتحضير والاستجابة للأوبئة، على المستويات القومية والإقليمية والدولية، مع التركيز على بناء هذه القدرات في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
وسيتم توجيه أموال هذا الصندوق لتوفير المصادر اللازمة للوقاية والاستجابة، وحث الدول على زيادة الاستثمارات، وتنسيق التعاون بين الشركاء الدوليين، ومنصة للدفع بهذا الاتجاه، ومرادف ومكمل للمصادر المالية المتاحة بالفعل، وللخبرات الفنية والعلمية المتاحة حاليا.
وتم إنشاء هذا الصندوق بريادة الولايات المتحدة، وإيطاليا، وإندونيسيا، كجزء من رئاسة هذه الدول لمجموعة العشرين خلال الأعوام الماضية، وبدعم من باقي أعضاء المجموعة وغيرهم من الدول، حيث تم التعهد مبدئيا بتوفير دعم بأكثر من مليار دولار حتى الآن.
وهو ما يعتبر اعترافاً من المجتمع الدولي بخطورة الأوبئة المرضية على مستقبل الجنس البشري، في أعقاب وباء لم تشهد البشرية له مثيلا، منذ أكثر من مئة عام على الأقل. فعلى حسب تقرير صدر عن معهد التقييم والقياسات الصحية، في جامعة واشنطن بالولايات المتحدة، يرجح أن الوفيات الحقيقة التي نتجت عن وباء كورونا حول العالم، بلغت أكثر من 18 مليونا، وهو رقم يزيد بثلاثة أضعاف على الإحصائيات الرسمية، والتي تقدر هذه الوفيات بستة ملايين فقط. ونتجت تلك الوفيات إما بشكل مباشر عن العدوى بالفيروس، وما تتسبب فيه هذه العدوى من مضاعفات خطيرة، أو بشكل غير مباشر، جراء تفاقم حدة الأمراض المزمنة المصاب بها الشخص أساساً.
وبخلاف ملايين الوفيات، ومئات ملايين الإصابات، والتسبب في أسوأ أزمة اقتصادية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، دفع الوباء بنظم الرعاية الصحية في مختلف دول العالم إلى شفا الانهيار، وإلى خسارة جزء مما تم إنجازه خلال العقدين الماضيين.
فعلى صعيد الأمراض المزمنة والخطيرة مثلا، وحسب الإحصائيات خلال الفترة الممتدة من يونيو إلى أكتوبر 2021، عانت أكثر من نصف دول العالم من عرقلة وتعطيل تقديم خدمات الرعاية الصحية لمرضى السكري، ومرضى ارتفاع ضغط الدم، والمصابين بالأمراض السرطانية. كما تجسد هذا التراجع المؤسف في إنجازات الصحة العامة من المنظور الدولي، في حقيقة أن 23 مليون طفل حول العالم خلال عام 2020، فاتتهم التطعيمات الأساسية الروتينية. وهو ما وضعهم تحت طائلة خطر متزايد من الإصابة بأمراض الطفولة المعدية، وهي الأمراض التي يمكنها -إن لم تقتلهم- أن تسبب لهم إعاقات شديدة مدى الحياة.
* كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية