مزارعو أميركا الجدد
هل تبحث عن تحوط ضد التضخم؟ إذن، عليك بالأراضي الزراعية في وسط الغرب الأميركي. فعبر الوسط الغربي، ارتفعت الأسعار بـ23% مقارنة مع العام الماضي، ارتفاع غذّاه ارتفاع أسعار السلع. كما ارتفعت إيجارات الأراضي الزراعية في ولاية آيوا بـ10.22% حتى الآن في 2022. وهناك مزيد من الفرص القادمة في الطريق. ذلك أن أكثر من 40% من الأراضي الزراعية الأميركية مملوكة لأشخاص تفوق أعمارهم الخامسة والستين؛ وبالتالي، فإن مئات الملايين من الأفدنة ستنتقل ملكيتها إلى مالكين جدد خلال السنوات المقبلة.
ولا شك في أن هذا يمثّل خبراً ساراً لسماسرة العقارات، ولكنه يمثّل تحدياً للمزارعين المقبلين الذين يشيرون باستمرار إلى ارتفاع تكلفة الأرض باعتباره العائق الأكبر لدخولهم هذا المجال. وهذه ليست مشكلة ريفية فحسب. فخلال الأيام الأولى من جائحة «كوفيد - 19»، أصبحت رفوف المتاجر الكبيرة فارغة جزئياً بسبب التركز والدمج الزراعي-الصناعي.
ولا شك في أن المزارعين الأصغر سناً المبتكرين والأكثر إنتاجية يمثّلون وسيلة للرد على هذه الاتجاهات التي أدت إلى هذا النقص. ولكن لكي يفعلوا ذلك، يحتاجون إلى الأرض. قبل أن تخلق الأتمتة المزارع الصناعية، كانت الزراعة مهنة يتعاطاها الشباب الذين يتمتعون بقدرة بدنية ولديهم عائلات كبيرة.
وكان المزارعون الأكبر سناً يشتغلون في الحقول؛ ولكن مع الوقت، كانوا ينقلون معارفهم وخبراتهم والأرض إلى الجيل التالي. تلك الدورة بدأت تنهار في القرن التاسع عشر حينما مدّدت الآلات الحياةَ العمليةَ للمزارعين الأكبر سنا، وأغرى التحضر والتمدن الشبابَ بترك الأرياف. وبحلول منتصف القرن، كان أغلب سكان الولايات المتحدة حضريين؛ وكان متوسط عمر المُزارع 47 عاماً. وبحلول 2017، أصبح عمر ذاك المزارع 57.5 عام. المزارعون الجدد والمبتدئون يميلون بالطبع إلى أن يكونوا أكثر شباباً مقارنة مع المزارعين المحترفين. كما يميلون إلى أن يكونوا أكثر انفتاحاً على الأفكار والمنتجات الجديدة، على غرار الشباب الذين لديهم ميول إلى ريادة الأعمال في أي مهنة.
وعلى سبيل المثال، فإن المزارعين الذين يعتمدون الزراعة العضوية أصغر بـ5.5 عام، في المتوسط، من نظرائهم التقليديين؛ كما تُظهر بيانات وزارة الزراعة أن المزارعين الجدد والمبتدئين أقل ميلاً إلى زراعة الحبوب وبذور الزيت – التي تُعد المحاصيل الأميركية الأكثر انتشاراً – من المزارعين الأكبر سناً.
واللافت أيضا أن الاهتمام بالزراعة الصديقة للمناخ يبدو كبيراً بين المزارعين الشباب والمنظمات التي تمثّلهم. كما يميل المزارعون الجدد والمبتدئون إلى الاشتغال على نطاق أصغر، إذ يستخدمون أفدنة أقل بالثلث لخلق نسبة مماثلة من العائدات. ولكن الصغر في الزراعة الحديثة، لا يعني دائماً أنه أحسن. فعلى مدى العقود الثلاثة الأخيرة، أصبح الإنتاج الزراعي في الولايات المتحدة مركزاً ومدمجاً، ما أتاح للمنتجين الكبار كفاءة من حيث التكلفة وامتيازات تسويقية. هذه الامتيازات تتخذ أشكالاً عدة، ومن ذلك قنوات شراء الغذاء الممركزة على نحو متزايد (مثل المتاجر الكبرى) وغير المتاحة للمزارعين الصغار.
وهذا جيد جداً للمستهلكين - إلى أن تحدث أزمة وتُسقط منتجاً أو منتجين كبيرين. وقد شكّل الوباء واحدةً من تلك الصدمات، وأظهرت الرفوف الفارغة في المتاجر الكبرى تلك الأخطار. في فبراير الماضي، نشرت وزارة الزراعة تقريراً يقيّم سلسلة الغذاء الأميركية ونقاط ضعفها وفرص تقويتها. وكانت أول أولوية تضمنها التقرير هي معالجة مسألة التركيز والدمج في إنتاج الغذاء وصناعته وتوزيعه. وتتمثل إحدى الوسائل الرئيسية لفعل ذلك، وفق التقرير، في تقوية شبكات الغذاء المحلية والجهوية، مثل أسواق المزارعين وقنوات التجارة الإلكترونية التي وفّرت شبكة أمان للمستهلكين والمنتجين خلال الأيام الأولى للوباء. حوالي 23% من المزارعين المبتدئين يبيعون عبر الأسواق المحلية والجهوية.
ومثلما يستطيع أن يشهد بذلك أي زائر لسوق المزارعين في الغرب الأوسط، فإن الكثيرين منهم شباب. وهؤلاء المزارعون، الذين يعملون بتوازٍ مع مزارعين آخرين مبتدئين، يمثّلون طليعة قطاعِ غذاءٍ يتكيّف حالياً مع تغير المناخ وتغير أذواق المستهلكين. غير أنه على غرار مشتري المنازل الشباب في المدن الكبيرة، فإنهم يستأجرون أكثر ويمتلكون أراضي أقل من نظرائهم المخضرمين. وارتفاع أسعار الأراضي اليوم يجعل التحدي أكثر صعوبة، ولكنه بكل تأكيد ليس تحدياً جديداً. ففي ثمانينيات القرن الماضي أمر الكونجرس البنوك المشاركة في برامج الإقراض الزراعي بإيلاء الأولوية للمزارعين الصغار والمبتدئين الشباب.
وقد حقّق ذلك البرنامج وبرامج أخرى بعض النجاحات، ولكن استمرار هوة الملكية يشير إلى أن البنوك المشاركة تستطيع فعل المزيد. ومن أجل تشجيعها، تقترح إدارة الرئيس بايدن الشروع في تقييم البنوك استناداً إلى مدى جودة القروض التي تقدّمها للمزارعين الجدد والمبتدئين. ولا شك في أن من شأن حكمها تشجيع الإقراض، وينبغي تبنيه. وفي الأثناء، ينبغي على الكونجرس أن يبحث اتخاذ تدابير تشجّع المزارعين المقبلين على التقاعد على بيع أراضيهم للمزارعين الجدد.
أحد نماذج ذلك يمكن إيجاده في ولاية أوهايو، التي أنشأت مؤخراً برنامجاً لتوفير ائتمانات ضريبية للمزارعين الذين يبيعون أراضي أو يؤجرونها لمزارعين شباب وفق شروط معينة. ولا شك في أنه لا شيء من هذه التدابير يمكن أن يُنتج زيادة فورية في ملكية الأراضي من قبل المزارعين الشباب والمبتدئين الذين يواجهون أسعاراً قياسية للأراضي. غير أنه مع مرور الوقت يمكنها أن تساعد على ظهور الجيل القادم من المزارعين الأميركيين المنتجين.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»