رسمت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة خطوط مهمة شاقة في سبيل التصدي لتغير المناخ.

وذكرت «الهيئة» التي تضم مجموعة من كبار خبراء الطاقة والاقتصاديين وعلماء الاجتماع في العالم، يوم الاثنين الماضي -الرابع من أبريل- إنه مازال بوسع البشرية تفادي أكثر العواقب الكارثية لتغير المناخ إذا اتخذت المجتمعات إجراءات جذرية وعلى الفور لحمل الكوكب على درب أكثر سلامة.

وذكرت «الهيئة» أنه يتعين على العالم خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري السنوية النصف تقريباً في السنوات الثماني المقبلة، وإيجاد طريقة للتخلص من تلوث الكربون بحلول منتصف القرن. لكن «الهيئة» ترسم أيضاً مئات الاستراتيجيات التي يمكنها مساعدة البشرية في تحقيق هذا الهدف. وتقرير «الهيئة» الصادر يوم الاثنين الماضي يوضح في الواقع أنه لا يوجد حل سحري للتغلب على مشكلة الاحتباس الحراري، بل يتعين على الدول والشركات والمجتمعات والأفراد لعب دور في رسم مستقبل أكثر سلامة واستدامة. وفيما يلي ست معالجات سلّط التقرير المؤلف من آلاف الصفحات الضوء عليها.

أولى هذه المعالجات تتمثل في الانتقال إلى الطاقة المتجددة. فإنتاج الكهرباء والتدفئة يمثل الجزء الأكبر من التلوث الناتج عن الاحتباس الحراري، ما يعادل نحو ربع الانبعاثات العالمية. وهذا يجعل هذا القطاع من أهم القطاعات المستهدفة في سياسة المناخ. وكي تسنح فرصة لتقييد ارتفاع حرارة الكوكب عند 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت)، يتعين على العالم خفض انبعاثات الطاقة بين 38% و52% في السنوات الثماني المقبلة. وتقر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنه بفضل التطورات الهائلة في تكنولوجيا الطاقة المتجددة، أصبحت الكهرباء المتولدة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أرخص في كثير من الأماكن من الكهرباء المتولدة من الوقود الأحفوري. ومصادر الطاقة المتجددة صغيرة النطاق، مثل الألواح الشمسية المنفصلة عن شبكة الكهرباء العامة، تستطيع المساعدة في توفير الكهرباء للمجتمعات التي لم يكن لديها سابقا إمكانية الحصول على الطاقة.

وذكرت «الهيئة» أن الحكومات تستطيع استخدام تدابير سياسية، مثل الضرائب على انبعاثات الكربون وحوافز مالية على إقامة مصادر للطاقة المتجددة ومعايير لمزيج مصادر الطاقة المتجددة للإسراع بالانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة. وتستطيع الاستثمارات في كفاءة الطاقة المساعدة أيضاً في كبح الطلب الإجمالي على الطاقة. وثانية هذه المعالجات تتمثل في جعل المباني أكثر كفاءة. فقد ذكرت «الهيئة» أن الانبعاثات الناتجة من المباني مسؤولة عن نحو 21% تقريباً من غازات الاحتباس الحراري المنبعثة في الغلاف الجوي عام 2019.

وهذا الرقم يشمل الانبعاثات غير المباشرة من الطاقة المستخدمة في الكهرباء والتدفئة، فضلاً عن الانبعاثات الناتجة عن استخدام الصلب والإسمنت. ولن يتم التخلص من الكربون من مباني العالم بسرعة أو بسهولة. لكن بذل جهود واسعة النطاق لإنشاء مبان أكثر كفاءة ومراعاةً للمناخ قد يكون لها تأثيرات عميقة في مساعدة العالم على تقليل تلوث الكربون. وتتضمن بعض الاستراتيجيات عزلاً أفضل للمباني وأنظمة تدفئة وتبريد أكثر كفاءة وتزويد المباني بالطاقة عبر مزيد من طاقة الموارد المتجددة واستخدام مواد بناء أكثر استدامة. ويضاف إلى هذا اتباع سياسات عامة وحوافز مالية.

والمعالجة الثالثة تتمثل في جعل المدن نظيفة وخضراء. فالمدن يقطنها أكثر من نصف سكان العالم، وهي ضرورية لمواجهة تغير المناخ. ومن المتوقع أن تتضاعف مساحات الحضر ثلاثة أمثال تقريبا بحلول عام 2050. فإذا اتسعت التجمعات السكانية، وتم بناؤها باستخدام المواد والتكنولوجيات التقليدية، مثل الخرسانة كثيفة انبعاثات الكربون وأنظمة النقل المتركزة حول السيارات، فإنها «ستحبس» انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لأجيال قادمة. لكن العلماء يعتقدون أن «التخلص بعمق من الكربون والتحول المنهجي» يمكنه أن يحول المدن إلى مراكز دفع نحو تحول الطاقة. وتدابير التخطيط الحضري البسيطة، مثل زيادة الكثافة، ودمج المناطق السكنية والتجارية حتى يتمكن الناس من العيش في أماكن عملهم، والتطوير على طول ممرات النقل العام، كل هذا قد يقلص تلوث الكربون في المناطق الحضرية نحو الربع بحلول عام 2050.

واستخدام المواد المعاد تدويرها في تشييد المباني والتدفئة بالكهرباء بدلاً من الغاز يمكنه أن يؤدي إلى تعزيز خفض الانبعاثات. والاستثمار في المساحات الخضراء يمكنه أن يجعل المدن أكثر سلامة في غمرة موجات الحرارة المتفاقمة والفيضانات المتزايدة مع سحب الكربون من الهواء أيضاً. وتستطيع المدن القائمة بالفعل تحقيق أكبر خفض في الانبعاثات من خلال تعديل المباني وإضافة إنشاءات جديدة لزيادة كثافة المناطق المأهولة بالفعل وتحويل أنظمتها للطاقة إلى مصادر أنظف.

والمعالجة الرابعة هي الإسراع نحو السيارات الكهربائية، والمشي أو ركوب الدراجة. فالطريقة التي يسافر بها الناس جوا وبرا ويشحنون بها البضائع مسؤولة عن كمية كبيرة من انبعاثات الاحتباس الحراري حول العالم. والنقل هو أكبر مصدر لهذه الانبعاثات في الولايات المتحدة. ويتعين خفض الانبعاثات من هذا القطاع بشدة في العقود القادمة لحمل العالم على درب أفضل لتحقيق أهدافه المناخية. ويشير تقرير «الهيئة» إلى بعض الوسائل للسير نحو هذا الهدف.

ومن هذه الوسائل: استخدام المركبات الكهربائية بكثافة، واستكشاف الهيدروجين والوقود الحيوي المتقدم في الطيران والشحن، وإتباع تعديلات ثقافية وسلوكية مثل المزيد من العمل عن بُعد والتخطيط الحضري الذي يسمح للناس باستخدام المزيد من وسائل النقل العام أو الانتقال سيراً على الأقدام أو بالدراجة. والمعالجة الخامسة تتمثل في إعادة الكربون إلى الأرض. فمساحات الأرض التي يستغلها الإنسان تعد مصدراً مهماً للتلوث. وهذه الأرض مسؤولة عما يتراوح بين 13% و21% من انبعاثات البشرية، بحسب السنة. لكن يمكن للأرض أيضاً أن تكون حليفاً قوياً في مكافحة تغير المناخ عن طريق سحب الكربون من الغلاف الجوي، إذا تعلم الناس كيفية استغلال هذه الأرض بالطريقة الصحيحة. وأشارت «الهيئة» إلى أن أحد المجالات الرئيسية للتحسين تتمثل في أسلوب الزراعة.

فالتقنيات المعتادة في الحرث واستخدام الكثير من الأسمدة تطلق أطناناً من غازات الاحتباس الحراري. ومن خلال اتباع ممارسات زراعية تخزن الكربون في التربة، والحد من استخدام الأسمدة وتقليل كمية اللحوم التي نستهلكها، يستطيع الناس تحويل الأراضي الزراعية من مصدر لانبعاثات الكربون إلى حوض لامتصاص الكربون. وتعد حماية الطبيعة، وخاصة الغابات والنظم البيئية الأخرى الغنية بالكربون، ضرورية أيضاً لوقف اتجاه ارتفاع درجة حرارة الأرض. وتؤكد «الهيئة» أن الغابات والمستنقعات والبراري التي لم يتم إفسادها بوسعها سحب مليارات الأطنان من الكربون من الغلاف الجوي كل عام. وسادساً وأخيراً؛ يتعين الاستثمار لبلوغ عالم أكثر عدلاً. فتقرير «الهيئة» يوضح أن الأشخاص الأكثر معاناة من تغير المناخ هم الأقل مساهمة في المشكلة ولديهم أقل الموارد للتعامل معها.

فالبلدان الأقل نمواً تساهم بنحو 0.4% من الانبعاثات التراكمية للبشرية. لكن الدول المتقدمة التي يقطنها العدد نفسه تقريبا من السكان مسؤولة عن 27% من تلوث الكربون في العالم. وإذا كان للعالم أن يتجنب الاحترار الكارثي، بحسب وصف «الهيئة»، فيجب على الدول الغنية الآن مساعدة الدول الفقيرة على تحقيق النمو باستخدام مصادر الطاقة المتجددة وممارسات التنمية المستدامة. وخلص التقرير إلى أن هذا يتطلب زيادة من ثلاثة إلى ستة أمثال في التمويل لمساعدة البلدان النامية على خفض انبعاثاتها.

لكن حتى الآن، لم تف الدول الغنية في العالم بوعودها التمويلية التي قطعتها للدول النامية. وتؤكد «الهيئة» أنه يتعين على العالم التصدي لعدم المساواة أثناء مكافحته لتغير المناخ، لأن هذا يعزز التعاون. وقد تتحسن أوضاع السكان إذا بُذلت جهود بطريقة صحيحة في تقليص الانبعاثات؛ مثل تركيب الألواح الشمسية في المجتمعات المنعزلة، وتوفير الدراجات الكهربائية لسكان المدن ذوي الدخل المنخفض وإعادة سلطة إدارة الأراضي إلى لسكان الأصليين.

برادي دينيس*

*صحفي حائزة جائزة بوليتزر.

سارة كابلان**

**صحفية متخصصة في الشؤون المناخية والتصدي لظاهرة الاحتباس الحراري.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»