يتباطأ انتشار أوميكرون في الولايات المتحدة، لكن ما زال أكثر من 200 ألف شخص يصابون يومياً بالفيروس. وهناك عاملان يساعدان في تشكيل كل من احتمالية الإصابة وشدة المرض، وهما حصول المرء على اللقاح وتعرضه للإصابة من قبل.

لكن السياسة العامة تجاهلت العامل الثاني إلى حد كبير. وعلى سبيل المثال، توصي مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بنظام من ثلاث جرعات لجميع الأميركيين الذين تزيد أعمارهم على 12 عاماً، بغض النظر عن إصابتهم بالعدوى من قبل.

لكن مطالبة الأشخاص المصابين بالعدوى بالحصول على ثلاث جرعات هو أمر زائد عن الحد في أحسن الأحوال، لأنه يمثل إهداراً لجرعات قيمة، وفي أسوأ الأحوال يمثل مخاطرة غير ضرورية، لأن اللقاحات لها آثار جانبية، وإن كانت نادرة. وتطالب شركات كثيرة حالياً أن يقدم موظفوها دليلاً على حصولهم على جرعتين وجرعة معززة من اللقاح أو على حصولهم على جرعة واحدة من لقاح جونسون آند جونسون، بالإضافة إلى جرعة معززة.

كل هذا بغض النظر عن التعرض لإصابة سابقة بالفيروس. لكن السماح للموظفين بتقديم وثائق تثبت التعرض لإصابة سابقة، بالإضافة إلى الحصول على جرعة واحدة، لن يؤدي فقط إلى توافق الأوامر مع أفضل مع توصلت إليه الأبحاث، بل قد يقلل أيضاً من معارضة الحصول على اللقاحات. فمن الأسهل، على أي حال، إقناع الناس بالحصول على جرعة لقاح واحدة بدلاً من ثلاث جرعات.

ولطالما أشارت أبحاث أن حتى الأشخاص غير الحاصلين على لقاحات ممن أصيبوا بالعدوى يكتسبون حماية كبيرة ضد كل من أعراض كوفيد-19 المرضية واحتمالات دخول المستشفى في المستقبل للتداوي منه.

وعلى سبيل المثال، في دراسة رئيسية على أكثر من 30 مليون شخص في كاليفورنيا ونيويورك، نُشرت الشهر الماضي على موقع مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، كان احتمال إصابة الأشخاص غير الحاصلين على لقاح ممن أصيبوا بعدوى من قبل - اعتباراً من الأسبوع الذي يبدأ في 3 أكتوبر- أقل من احتمال إصابة الأشخاص غير الحاصلين على لقاح ولم يصابوا بعدوى من قبل، بواقع 29 مرة في كاليفورنيا و14.7 مرة في نيويورك.

ومعدلات دخول المستشفيات للحصول على العلاج أظهرت نموذجاً مشابهاً. وفي دراسة أخرى أجراها إسرائيليون، من أغسطس إلى سبتمبر، أعطت العدوى السابقة حماية أكبر ضد العدوى في المستقبل أكثر مما منحه الحصول على اللقاح وحده من حماية، وتعززت هذه الحماية بجرعة لقاح واحدة. وتؤكد نتائج واردة في الآونة الأخيرة من دولة قطر أن العدوى السابقة توفر أيضاً حماية عالية، تبلغ حوالي 88% من الأمراض الشديدة التي يسببها متغير أوميكرون.

ويظهر البحث أن «المناعة المهجنة»، أي تلك التي تتحقق بالجمع بين الحصول على لقاح والإصابة، أقوى من المناعة الناتجة عن الحصول على اللقاح وحده، بغض النظر عن الترتيب بين العدوى والحصول على اللقاح.

ومن السابق لأوانه معرفة مدى فعالية عدوى أوميكرون في الحماية من العدوى المستقبلية، بما في ذلك الحماية من المتحورات المحتملة في المستقبل، لكن من الواضح أن «المناعة الخلوية» - ذراع الجهاز المناعي الذي يحمي من الأمراض الشديدة، ويساعد على توليد حماية مناعية طويلة الأمد - «متقاطعة التفاعل» مع جميع المتحورات.

وتشير البيانات التي ظهرت حديثاً إلى أن الأشخاص الحاصلين على لقاح ممن أصيبوا بأوميكرون يكتسبون مناعة خلوية أوسع من الأشخاص الحاصلين على لقاح ولم يصابوا بأوميكرون. والقلق الأكبر من أوميكرون يتعلق بقدرته المتزايدة على الانتشار.

فهل يؤدي الحصول على ثلاث جرعات من اللقاح للمصابين السابقين بالعدوى إلى الحد من انتشار الفيروس؟ لا يوجد ما يؤكد هذا، بناء على الأبحاث الحالية. لكننا نعلم بالفعل أن اللقاح وحده لا يمكنه تقليص انتشار العدوى دون تدابير مصاحبة مثل الخضوع للاختبار، والتباعد الاجتماعي، والحجر الصحي بعد الإصابة، والدأب على استخدام كمامات عالية الجودة.

وبناء على ما نفهمه عن المناعة الناتجة عن العدوى، لا تصمد ببساطة السياسات التي تتطلب بشكل صارم ثلاث جرعات من اللقاح، وهي السياسات التي أصدرها عدد متزايد من الشركات وأنظمة الرعاية الصحية والجامعات.

وفي بعض الحالات، يفقد الناس وظائفهم لأنهم يعتقدون – لأسباب معقولة، كما تبين- أنهم يتمتعون، بعد الإصابة، بحماية جيدة من الفيروس ولم يعد من المرجح أن ينقلوه بمعدل أكثر من أقرانهم الحاصلين على لقاح وجرعات معززة. لقد فضلوا عدم تلقي جرعة غير ضرورية من منتج طبي. وتمثل السياسات التي تلزم بالحصول على ثلاث جرعات إشكالية بشكل خاص في بيئة الجامعة، نظراً لأن الشباب هم الأكثر تعرضاً لخطر الإصابة بالتهاب عضلة القلب كأحد الآثار الجانبية للقاح.

والإلزام بالجرعات المعززة قد يتعارض أيضاً مع الاعتبارات الطبية. فعدد من الأطباء يوصي بعدم تلقي جرعة من اللقاح مباشرة بعد الإصابة بفيروس كورونا لأنهم يعتقدون أنها قد لا تعمل بشكل جيد. وفرض جرعات معززة لأشخاص مصابين بفيروس كورونا يعني أنه قد يتم إعطاء جرعات لقاح غير ضرورية لعشرات الملايين من الأميركيين.

وهذه جرعات مهدرة من الممكن توجيهها لأشخاص يحتاجون إليها حقاً، بما في ذلك أشخاص خارج الولايات المتحدة. فما زالت 70 دولة على الأقل بها معدلات حصول على اللقاح أقل من 40%، وهذا يزيد احتمالية الإصابة بأمراض خطيرة في تلك الدول وظهور متحورات أخرى على مستوى العالم.

وسيكون من السهل جداً على سلطات الصحة العامة، بما في ذلك مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، الاعتراف بأن الإصابة بفيروس كورونا توفر حماية تعادل على الأقل جرعتين من اللقاح. وإذا حدث هذا، فقد لا تشترط الشركات التي تلزم الموظفين بالحصول على اللقاح حصول الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس كوفيد -19 على جرعات إضافية، إذا كان الهدف هو التحصين «الكامل»، أو جرعة إضافية واحدة، إذا كان الهدف هو الحصول على التحصين «الأحدث».

ونظراً لتضخم عدد الأميركيين الذين تعرضوا لفيروس كورونا، فقد يساعد الإقدام على مثل هذه الخطوة في تقليل القلق من الفيروس وزيادة الثقة في وكالات الصحة العامة. قد تساعد هذه الخطوة حتى في تقليص التردد عند 20% من سكان الولايات المتحدة من المؤهلين للحصول على اللقاح لكنهم لم يتلقوه، لأن هذا سيختصر، لدى كثيرين، طريق الحصول على التحصين الأحدث.

فيليب كراوس وبول أ. أوفيت ولوزيانا بوريو

فيليب كراوس*

*نائب سابق لمدير مكتب أبحاث وفحص اللقاحات في إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية.

بول أ. أوفيت**

**أستاذ طب الأطفال في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا.

لوزيانا بوريو***

***زميلة بارزة في «مجلس العلاقات الخارجية» البحثي ومسؤولة سابقة بارزة في إدارة الغذاء والدواء.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»