يقول عالم اللاهوت ماثيو هنري في توصيف رومانسي لطيف: (خلق الله المرأة من ضلع الرجل، لا من رأسه حتى لا تسيطر عليه، ولا من قدميه حتى لا يدوس عليها، لكن من جنبه الأيسر حتى تساويه، تحت ذراعه حتى يحميها، وبقرب قلبه حتى يحبها.).

هذه العبارة – والتي نسبت كثيراً أيضاً إلى شاعر الهند الكبير طاغور- فات قائلها أياً كان، أنه وبعيداً عن الرومانسية المدججة فيها، فإن المرأة حسب العلم الذي لا يمكن مجادلته، لم تخلق من ضلع الرجل، بل هي محصلة «زيجوتية» طبيعية لأي تزاوج طبيعي بين رجل وامرأة، والنوع الجنسي «والحال كذلك» يصبح لا تفوق فيه، بل مساواة كاملة في النشوء.. أما الارتقاء فتلك حالة متفاوتة على المستوى الإنساني بين كل شخص وآخر بغض النظر عن جنسه.

وفي عالم جعلته ثورة تكنولوجيا المعلومات بكل هذا الدفق المعلوماتي قرية صغيرة، تتناقل فيه المعلومات والأخبار بكل صيغها بسهولة ويسر، لا تزال تجد في الفضاء الإلكتروني العربي ملامح تعكس اضطهاد المرأة، سواء في فيديوهات ينتجها مشايخ «يحملون اسم علماء، ولحومهم مسمومة حسب الفقه» أو عبر صفحات تواصل اجتماعي ربما هي النوافذ الوحيدة للتنفس تتبع لفتيات ونساء لا يستطعن وضع أسمائهن أو صورهن على تلك الصفحات الشخصية، لأن اسمها في عرف التقاليد عورة، وصورتها – لو وضعتها- انفلات أخلاقي فادح وفاضح.

في تلك الفيديوهات، يطل «العلماء ذوو اللحوم المسمومة» بفتاوى مغلفة بكل ما يمكن حشده من نصوص مقدسة، للوضع من شأن المرأة، حتى إن أحدهم من كبار هؤلاء وأشهرهم تحدث مرة عن غدة نَسِي هو اسمها تجعل المرأة ناقصة عقل!! وغيره ممن وضع من يسمح لزوجته أو أخته أو ابنته أن تعمل في التمريض أو الطبابة موضعاً وضيعاً حسب ألفاظه، والكارثة هو هذا الكم الهائل من المريدين لهؤلاء على تلك الوسائل يؤمنون بخشوع أعمى على كل ما يفتون به، أما الكارثة الأكبر فهي في جموع النساء اللواتي يتبعن كلام هؤلاء المشايخ في أكبر عملية تعذيب واضطهاد ذاتي في عصر تكنولوجيا المعلومات.

القصة لا تقتصر على موروثنا الذي تلبس الدين وزور فيه على مزاج أنصاف أميين، فالموروث الذي ينتقص من المرأة موجود في ثقافات شعوب عديدة غير عالمنا العربي والإسلامي، لكنها في عصر ثورة المعلومات والرحلات إلى الفضاء صارت خبراً عادياً، تصبح عيباً كبيراً في عالمنا العربي، الذي يريد النهوض بنصف مجتمع، بينما يغيب نصفه الآخر باسم الموروث والتقاليد والفكر المأزوم.

لا يوجد نقص في الأضلاع، والمرأة تشارك الرجل في إنسانيته، والجدل في تفاصيل القدرة الجسدية جائز ما دامت حدود الجدل في القدرة لا في الهوية الجندرية. وأمام هذه المفارقات بين فكر الكهوف الحجرية المقذوفة إلينا عبر شاشات ذكية، وزماننا الذي وصلت إليه ثورة المعرفة حدودها الخيالية، أستذكر مقولة أحتفظ بها في ذاكرتي من قراءات قديمة، يقول فيها الكاتب الراحل غالب هلسا: بين الرجل والمرأة في عالمنا العربي تاريخ سيادة عمره ثلاث آلاف سنة، لا يمكن تجاوزه بسهولة.

* كاتب أردني مقيم في بلجيكا