دورة ألعاب بكين الأولمبية الشتوية التي انطلقت يوم 4 فبراير الجاري ستنتهي بحفل ختامي مذهل في ملعب «عش الطيور» الشهير في يوم العشرين من الشهر الجاري نفسه. وبحلول ذلك التاريخ، قد يسرق أداءٌ رياضي استثنائي في هذه الألعاب الأضواءَ ويصبح الذكرى الأبرز في هذه الدورة، على الأقل بين المشجعين الرياضيين. غير أنه من الناحية الجيوساسية العامة، فإن الحدث الأبرز هو اجتماع القمة الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين خلال يوم الافتتاح. اجتماع صدرت في أعقابه وثيقة في خمسة آلاف كلمة أكدت الحاجة لوجود نظام عالم جديد يعكس آراء أقوى زعيمين على خلاف مع الولايات المتحدة حالياً.
وفي تلك الوثيقة، أكد الزعيمان الروسي والصيني على أنهما يدعمان آراء بعضهما البعض في أنه ليس لدى الغرب أي حق في تحدي بلديهما بخصوص قضايا أمنية حيوية، كما دعيا إلى وضع حد لتوسيع حلف «الناتو»، مما يعكس بوضوح الموقف الروسي المطالِب بعدم قبول أوكرانيا في الحلف. وتعهدَا بتمتين الروابط الاقتصادية بينهما، وخاصة إمدادات الطاقة، بما في ذلك صفقة نفط وغاز بقيمة 17 مليار دولار.
العديد من المراقبين رأوا أن الاجتماع يعكس المواقف المعادية للغرب التي كان يتبناها الزعيمان السوفييتي جوزيف ستالين والصيني ماو تسي تونغ خلال الأيام الأولى للحرب الباردة في خمسينيات القرن الماضي.
ومن جانبها، وصفت صحيفة «واشنطن بوست» وثيقةَ الاتفاق بأنها «مخطط لمواجهة مزدوجة مع الولايات المتحدة». وتقدِّم الوثيقة التي صدرت في ختام قمة الزعيمين الروسي والصيني قائمةً طويلة بالأسباب التي توضح لماذا تُعد مقاربتهما حول الحرية والديمقراطية الأفضلَ للبيئة العالمية الجديدة، وكيف أنها أحسن من «النموذج التعميمي (الذي يتبناه الغرب) لتوجيه البلدان بخصوص إرساء الديمقراطية». وتُعد قمة بوتين- شي أوضحَ مؤشر حتى الآن على أن المؤسسات العالمية التي أقيمت في نهاية الحرب العالمية الثانية عاكسةً قوةَ أميركا ونفوذَها الكبيرين باتت اليوم في خطر حقيقي.
وفي الأثناء، تسعى الصين جاهدةً إلى تلافي تقييمات سيئة لإدارتها للألعاب الأولمبية التي تقام على خلفية جائحة فيروس «كوفيد-19» العالمية، ومقاطعة دبلوماسية من قبل البلدان الغربية الكبيرة على خلفية ما تعتبره «انتهاكات لحقوق الإنسان»، وغياب للثلج الحقيقي في كل المواقع التي اختيرت من أجل الأنشطة الرياضية التي تقام في الهواء الطلق، بالإضافة إلى مخاوف في الساحة الدولية من اندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا.
المنشآت الأولمبية في بكين خضعت لإجراءات استثنائية من أجل الحد من انتشار فيروس «كوفيد-19» بين الرياضيين. وفي الأثناء، يطبّق مسؤولون صينيون ببدلات قواعد الوقاية بفعالية كبيرة، بينما يُعزل الرياضيون الذين تُظهر الفحوص إصابتَهم بـ«كوفيد-19» في مبان منفصلة ويخضعون لفحوص متعددة في كل ساعات النهار والليل من أجل تحديد ما إن كانوا يستطيعون استئناف أحلامَهم في التنافس في الدورة ومتى.
الجمهور لم يُسمح له بالحضور وكل الأجانب تقريباً مُنعوا من دخول بكين. وخلافاً للألعاب الصيفية الناجحة جداً التي استضافتها بكين في عام 2008، فإنه ليس هناك أي شعور بالإثارة، وفق صحافيين ينقلون الأخبار من المدينة.
غير أن هناك شيئاً واحداً واضحاً، ألا وهو حقيقة أنه إذا كانت روسيا تخطط للقيام بعمل عسكري ضد أوكرانيا (كما تزعم وسائل إعلام غربية)، فإنه لن يحدث إلا بعد نهاية الألعاب. ذلك أن من شأن اندلاع للحرب خلال الألعاب صرف انتباه العالم عن بكين وتحويله إلى الساحة الأوكرانية التي يمكن أن تشهد أخطر تفجر للأعمال الحربية منذ عام 1945. كما من شأنه حجب الاهتمام والتغطية الإعلامية للألعاب، ومن شأنه أيضاً أن يمثّل انتكاسة كبيرة لمحاولات الصين الرامية إلى استخدام دورة الألعاب الأولمبية للتأكيد على دورها الجديد المنشود كزعيمة عالمية تستطيع استخدام «قوتها الناعمة» بفعالية على غرار منافسيها في الغرب. ولا شك في أن الرئيس بوتين لا يرغب في خلق مثل هذه المشكلة لحليفه الصيني!
مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست»- واشنطن