أحفاد عثمان والحسن والحسين.. إخوة
النَّظر الهادئ، خارج التَّحشيد المذهبي والعواطف الملتهبة بنار الطائفيَّة، لأغراض سياسية فاقعة، سيوفر فرصة لمراجعة ما كُتب وما قيل على المنابر، إلى مستوى صارت الأسماء معياراً في العقائد، وكأن علي بن أبي طالب لم يُسمِ أولاده: عمر وعثمان وأبي بكر، وأنَّ جعفر الصَّادق(تـ: 148هج) لم يكن حفيد علي وأبي بكر، فوالده: محمد بن علي بن الحسين بن علي، ووالدته فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمها أسماء بنت عبد الرَّحمن بن أبي بكر(الكليني، الكافي).
لكنَّ الأكثر مِن الأسماء والمواقف، التي يحاول الطائفيون سلخها مِن ذاكرة التاريخ، كي لا تكون عاملاً في إطفاء الطائفية وتعرية المصالح، نجد الأقدمين، الذين جردنا سيوفهم مِن أغمادها، على رقاب بعضهم بعضاً، وبين أحفادهم، قد جمعتهم الأنساب، ليظهر حفيد عثمان بن عفان(قُتل: 35هج) نفسه حفيداً للحسن والحسين ابني علي.
فوالدة محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، المعروف بالديباج لجماله، هي فاطمة بنت الحسين بن علي، تزوجته بعد وفاة زوجها وابن عمها الحسن بن الحسن بن علي، الذي ولدت منه عبد الله بن الحسن، لتجمع الأخوين محنةٌ واحد(ابن الأثير، الكامل في التَّاريخ، والحميري، الحور العين).
لما اعتقلَ أبو جعفر المنصور(تـ: 158هج) عبد الله بن الحسن وأولاده بتهمة التحرك السياسي ضده، اعتقل معهم أخوه محمد حفيد عثمان، وقد واجه المصير نفسه، إذ تم قتلهم جميعاً السنَّة (145هج). السؤال مَن هو الأقرب زمناً ونسباً، والأحرص ضميراً على الحُسين أكثر مِن ابنته؟! ومَن هو الأقرب نسباً مِن الحُسين مِن حفيده محمد الباقر، ليتزوج مِن حفيدة أبي بكر وينجب منها الإمام المعتمد في الرِّواية والفقه عند الشِّيعة، وعند السُّنة، حتَّى هناك مَن جعل فقه أبي حنيفة هو فقه جعفر الصّادق نفسه(الدَّهلوي، التُّحفة الاثني عشريَّة)؟! بلا ريب، يظهر مَن يُشكك بهذه الأنساب والأصهار، بين أحفاد مَن اعتبرت عداوتهم سرمديَّة، مع أنه مخالف للطبيعة البشريَّة، أن تستمر الكراهية عشرات القرون، وتضخم يوماً بعد يوم، وفق ما تقتضيه مصالح الأجيال المتأخرة.
أقول: هل كانت فاطمة بنت الحُسين، غير بارة بأبيها وجدها وعشيرتها كي توافق على الزَّواج مِن حفيد عثمان بن عفان، أحد كبار الأمويين؟! أم أنَّ محمد الباقر(تـ: 114هج) كان غير معني في تلك النزاعات والعداوات، المزمنة في عصرنا، كي يتزوج بلا حرج، ولا اعتراض مِن خاصته العلويين والهاشميين، مِن حفيدة أبي بكر؟! ما كنا نتناول مثل هذا الموضوع، لولا أنَّ الكراهيَّة أخذت معاولها تهدم في الأوطان حجراً حجراً، وتُجيش بها الجيوش، فغدت كلَّ روايَّةٍ تُقرب بين النَّاس مشكوكاً فيها!
بينما تجد روايات الفِرقة الكاذبة أمست مُسَلماتٍ، حتى وإن كانت مرفوضة مِن كبار المؤرخين ومراجع المذاهب! إنها الحالة الإنسانية الطبيعية أنَّ يتغلب الأحفاد على بين الأجداد مِن نزاعات، بفعل تقادم الأيام وتبدل الأزمان، ذلك إذا افترضنا أن النزاعات كانت بهذا الحجم، وفق ما ترميه مدافع الطَّائفية مِن حمم التعصب، وحسب ما تقتضيه المصالح الراهنة، إلى أنْ أخذ الانتساب إلى الطائفة يحلُ محلَ الانتساب إلى الوطن! أقول: إذا كان الدِّيباج وعبد الله، حفيدي عثمان والحسن والحسين، أخوين، وجعفراً حفيد أبي بكر، فمَن أنتم، كي تجعلوا الأوطان ساحات حروبٍ بأسمائهم؟!
* كاتب عراقي