دراسات العربية والإسلام.. وآفاق التجديد
سمعتُ خبر الإعلان عن جوائز الملك فيصل في الآداب العربية باللغة الإنجليزية وجائزة خدمة الإسلام وحجب جائزة الدراسات الإسلامية. فقررتُ الكتابة ليس في موضوع الجوائز، وإن كان شائقاً، بل في أوضاع الدراسات العربية والإسلامية في الغرب. حصل على جائزة الملك فيصل في الآداب العربية باللغة الإنجليزية للعام 2022 بالاشتراك كلٌّ من الأستاذة الأميركية سوزان ستتكيفيتش والأستاذ الأميركي العراقي الأصل محسن الموسوي.
وأنا أقرأ منذ عقود دراسات السيدة سوزان في الشعر العربي القديم وأصوله الأسطورية. وقد لا يستقر في الذهن الكثير من بدائعها (مثلاً مقالتها عن تأبط شراً وهيركليوس!) لكنه مسارٌ اجترحته السيدة ستتكيفيتش مع زوجها ياروسلاف، ومضت هي بعيداً في قراءة الأبعاد الأسطورية والأنتروبولوجية للشعر العربي، في حين التزم زوجها الأستاذ الكبير أواسط الطريق. وقد حصلت «الأسرة» من قبل على جائزة الشيخ زايد في المجال نفسه.
وعندما كنت أستاذاً زائراً للدراسات الإسلامية بجامعة شيكاغو في تسعينيات القرن الماضي، أذكر أنني كنتُ آخذ تلامذتي لحضور دروس الأستاذ ياروسلاف عن الشعر العربي القديم والغصن الذهبي والتطهير، موهماً لهم بإمكان الإفادة من منهجه البديع في تجديد دراسات الفقه الإسلامي! أما الأستاذ محسن الموسوي فنحن نقرأ له في دراسات الأدب الوسيط منذ سبعينيات القرن الماضي.
وأذكر أننا تنافسنا في إصدار عددٍ بل عددين عن الاستشراق على أثر صدور كتاب إدوارد سعيد الشهير (1978). وكان هو يُصدر مجلةً أدبيةً في بغداد، وكنتُ أُصدر مجلة «الفكر العربي» في بيروت. لقد كتب الموسوي عشرات الدراسات بالعربية والإنجليزية عن الآداب العربية في الشعر والنثر. وهو مثل سوزان يستحق الجائزة وأكثر. وحصل أستاذنا الشيخ حسن الشافعي (استمعت إليه معيداً بكلية دار العلوم أواخر الستينيات وصرت صديقاً له بعد عام 2010 عندما صار مستشاراً لشيخ الأزهر) من جوائز الملك فيصل على جائزة خدمة الإسلام بالاشتراك. وكنت قد حصلتُ على جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية عام 2017 عن بحوث الفكر السياسي الإسلامي القديم.
دراسات الآداب العربية الوسيطة والحديثة في الغربين، الأميركي والأوروبي، محظوظة بدارسين كبار منذ أربعة عقودٍ ونيف. وليست الدراسات الإسلامية كذلك. ففي حين شاعت ممارسة النظريات الجديدة في قراءة الإبداع الشعري والنصوص النثرية، فقد غرقت الدراسات الإسلامية عند المسلمين في قضايا تطبيق الشريعة، وعند الغربيين في أسطرة النص القرآني وشرذمته! وهناك اليوم في جامعات الغرب الأميركي على وجه الخصوص عشرات الشبان والكهول، ونصفهم من أصول عربية أو إسلامية، وهم يصدرون أعمالاً معتبرةً في الدراسات العربية والإسلامية. وقد بدأت المغامرات السلبية والنافية تتضاءل وتتوارى في مجالات دراسات القرآن والإسلام.
وينهمك الدارسون في الآداب العربية والإسلاميات في نشر وتجديد قراءة مئات المخطوطات العربية بعشقٍ بالغ دفعني لتسميتهم: التراثيين الجدد، وبالإيجاب وليس بالسلب! إنه عهدٌ زاهرٌ، ذلك العهد الذي ذكّرتْنا به جوائز الملك فيصل لهذا العام مع الشيخ حسن الشافعي (قرأتُ له تحقيقاً متميزاً لكتاب اللمع لأبي الحسن الأشعري، وتقديماً ضافياً للترجمة العربية للمرجع في الدراسات الكلامية) ومع محسن الموسوي وسوزان ستتكيفيتش. والأمل مع سواد المناهج الجديدة، أن يتمكن الشبان والكهول من تلامذة أولئك الكبار من استكشاف آفاقٍ جديدةٍ وواعدة للدراسات العربية والإسلامية على حدٍ سواء.
*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية