عندما بدأت عاملة الرعاية الصحية جريس جوكودو وزملاؤها توزيع لقاح كوفيد-19 في مدينة «واو» الواقعة في شمال غرب جنوب السودان، سرعان ما لاحظوا وجود تفاوت. وعندما جاء الناس إلى عيادتهم وهم يعانون من أعراض كوفيد-19، كانوا أغلبيتهم من النساء. لكن جميع المصطفين في الطوابير لتلقي التطعيم كانوا رجالاً.
وتساءلت عاملات الرعاية الصحية عن سبب عدم وجود المزيد من النساء في هذه الطوابير. في جميع أنحاء جنوب السودان، تمثل النساء 70% من جميع حالات كوفيد-19، ولكن 26% فقط من أولئك يتم تطعيمهم، وفقاً للتقديرات الصادرة في أكتوبر من قبل هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية (كير) التي تعمل بها السيدة جوكودو. هذا هو عكس ما يحدث في العديد من البلدان في العالم الغربي، بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث من المرجح أن يتم تطعيم النساء أكثر من الرجال، بحوالي 10%، وفقاً للأرقام الصادرة في أواخر يونيو.
كان التفاوت بين الجنسين أمراً بارزاً في حملات التطعيم في العديد من البلدان خارج أفريقيا، بما في ذلك العراق وتيمور الشرقية والهند، والتي قامت في يوليو الماضي بتلقيح 28 مليون رجل أكثر من النساء، مما كشف القيم والمعايير والحقائق المجتمعية للبلد على أرض الواقع.
تقول نيسوفو مايميلي، صيدلانية وناشطة في مجال صحة المرأة في جنوب أفريقيا: كارثة مثل الوباء تكشف عدم المساواة الموجودة بالفعل في مجتمعاتنا. في الأساس، هذه مشكلة تتعلق بأن المرأة هي المتضرر من عدم المساواة في مجتمعنا بشكل عام«.
على الرغم من أن العديد من البلدان لم تحتفظ ببيانات عن التطعيم، والتي هي متداعية حسب الجنس، يبدو أن هذه الفجوات على مستوى العالم تتقلص بسرعة أيضاً -بما في ذلك في جنوب السودان -بفضل استراتيجية يقول العديد من الخبراء: إنها يجب أن تكون في صميم أي استجابة تتعلق بالصحة العامة: سؤال الناس عما يحتاجون إليه.
تقول هيلينا بالستير بون، مسؤولة التواصل في الذراع التنموي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في شرق وجنوب إفريقيا: «إذا وصلت إلى مستوى افتراض أن احتياجات الجميع هي نفسها، فلا يمكنك وضع برامج تعمل بالفعل من أجل الناس».
تبدو هذه نصيحة بسيطة، ولكن في خضم الاستجابة للأزمات الصحية، غالباً ما يكون من السهل التغاضي عنها. على سبيل المثال، واجه المستجيبون للإيبولا في كل من غرب أفريقيا والكونغو مقاومة عنيفة في كثير من الأحيان من المجتمعات التي لم تفهم سبب قيام الغرباء الذين يرتدون ملابس واقية تشبه البدلة الفضائية بنقل الناس بعيداً إلى مستشفيات بعيدة. تراجعت المقاومة للعلاج، ولاحقاً للقاحات، عندما قام المستجيبون الصحيون بتنفيذ طقوس دفن آمنة للإيبولا تتماشى مع العادات المحلية.
ارتفع معدل استخدام لقاح فيروس الورم الحليمي البشري في الصومال بشكل ملحوظ عندما بدأ المسؤولون في تكليف النساء بالقيام بالتسويق، مما يسهل على أولئك الذين يفكرون في التطعيم طرح أسئلة حول الصحة الجنسية والإنجابية دون إحراج.
في حالة لقاح كوفيد-19، يتم تلقيح النساء أكثر من الرجال في الولايات المتحدة وكندا، كما يقول الخبراء، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن النساء في تلك الأماكن تميل إلى أن تكون أكثر استباقية في السعي للحصول على الرعاية الصحية في المقام الأول. لكن العاملين في مجال الرعاية الصحية في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم النامي اكتشفوا في البداية أن عدد النساء اللائي حصلن على التطعيم أقل من الرجال لأسباب عملية وفلسفية.
في المقام الأول، تقول السيدة جوكودو إنهم:«لم يتمكنوا من الوصول إلى هناك». فالعيادات متمسكة بساعات العمل المخصصة لها، بينما تنهمك النساء في المهام المنزلية -مثل رعاية الأطفال والتنظيف والطهي وتخزين المياه والزراعة –التي لا يمكن التخلي عن أدائها. لذا، فلا يكن لدى الكثير منهن الوقت ولا المال للذهاب إلى العيادات البعيدة.
يقول إيمانويل أوجوانج، منسق الصحة والتغذية في منظمة كير في جنوب السودان:«من الناحية اللوجيستية، فإن النساء متضررات من نواح عديدة. وهذا صحيح بشكل خاص عندما يضطررن إلى السفر لمسافات طويلة لتلقي التطعيم، لأنهن منهمكات للغاية في الأعمال المنزلية».
تقول أوبيلي كاتشيلا، مسؤولة بارزة في منظمة «فيليدج ريتش»، وهي منظمة صحية غير حكومية تعمل في مالاوي:«وجدنا العديد من النساء اللائي أعربن عن حرصهن على تلقي اللقاح، لكن المشكلة في كيفية الوصول إلى مراكز التلقيح».
وبالنسبة لأخريات، فإن التردد في تلقي التطعيم مرتبط بالشائعات التي انتشرت على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم حول تأثير اللقاح على الخصوبة. يقول الخبراء إن مثل هذه الشائعات قد اكتسبت زخماً شرساً بشكل خاص في مناطق مثل أفريقيا، لأن قلة قليلة من الناس بشكل عام -حوالي 6% من السكان -تم تطعيمهم بالكامل.
لكن الخبراء يقولون إن هذه المشكلة لها أيضاً حل مباشر نسبياً. ولكن يتعين أن تجد النساء من يقدم لهن إجابات على أسئلتهن.
تقول السيدة بون:«التردد ليس رفضاً. ومواقف الناس يمكن أن تتغير إذا تم إمدادهم بمعلومات أفضل».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»