استخلصت «يانا بوغليرين»، مديرة المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين، أن «النظرة المتفائلة التي تبعث على الأمل هي أن الرئيس الأميركي جو بايدن يطلق علاقة جديدة، ويُظهِر إيمانه ببروكسل وحلف الناتو، ويقول الكلمات الصائبة، ويطلق العملية الاستراتيجية الرئيسية لإصلاح الحلف على مدار العقد المقبل». ويترافق هذا الأمل مع سعي الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في النظامين السياسي والاقتصادي الدولي من أجل الحفاظ على موقعه عالمياً، بل وتعزيز هذا الموقع. وفي هذا السياق، تكثر الدعوات إلى اعتماد استراتيجية أكثر استقلالية تجمع بين المجالات المختلفة، السياسية والتجارية والاستثمارية والأمنية والتكنولوجية وقضايا حقوق الإنسان.
ومعروف أنه ظهرت في الأشهر الماضية بعض المخاوف بشأن مستقبل العلاقات الأوروبية الأميركية في ظل تحول كبير في السياسة الخارجية لواشنطن، وما اعتُبر إعادةَ تقييم من واشنطن لدورها على الساحة الدولية، أعلن عن ملامحه الرئيس بايدن عقب الانسحاب الأميركي المثير للجدل من أفغانستان، والذي تلته «أزمة الغواصات» التي أدخلت العلاقات بين فرنسا من جهة والولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا من جهة أخرى أزمةً مفتوحة، وذلك بعد قامت الحكومة الأسترالية بإلغاء صفقة بقيمة 40 مليار دولار لشراء غواصات فرنسية مستعيضةً عنها بأخرى أميركية بريطانية تعمل بالوقود النووي، ما دفع باريس إلى وصف الأمر بأنه «خيانة وطعنة في الظهر» و«قرار على طريقة» الرئيس السابق دونالد ترامب.
ومع اعتراف الاتحاد الأوروبي بأن الولايات المتحدة صديق تاريخي كبير وحليف قديم، فإنه يدرك بأن الولايات المتحدة باتت تركز في سياساتها بالمقام الأول على نفسها وعلى مصالحها الاستراتيجية. كما بات الاتحاد يدرك بأن على الأوروبيين تحمّل القسط الأكبر من المسؤولية في تأمين حمايتهم الخاصة، ليس عسكرياً فحسب عبر تقوية «الناتو»، بل وتحمل مسؤولية الركيزة الأوروبية سواء في إطار الحلف الأطلسي أو في العلاقات مع الصين وروسيا اللتين تولي إياهما واشنطن الأولوية على ما عاداهما.
ومن الملاحظ اليوم أن قادة الاتحاد الأوروبي يقومون بإعادة تقييم المشهد الدولي، وبإعطاء مساحة أقل للدور الأميركي. وفي هذا السياق، نقلت إذاعة صوت ألمانيا («دويتشه فيله») عن «ستيفن بيرينج»، أستاذ السياسة الدولية والعلاقات عبر الأطلسي في جامعة ريجنسبورج، قوله بأن «الساسة في ألمانيا وأوروبا باتوا يدركون مرة أخرى مدى اعتمادهم الكبير على الولايات المتحدة. وهو الأمر الذي أثار دعوات لتعزيز التعاون العسكري بين بلدان الاتحاد الأوروبي»، وهو ما أشار إليه رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في كلمته الافتتاحية في منتدى «بليد» الاستراتيجي في سلوفينيا، مطلع شهر سبتمبر الماضي، حيث قال: «أوروبا بصفتها قوة اقتصادية وديمقراطية عالمية، هل يمكنها أن تقبل بوضع لم تتمكن فيه من إجلاء رعاياها من دون طلب المساعدة؟!». وفي مقال بصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، دعا جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، إلى «ضخ المزيد من الاستثمارات لتعزيز القدرات والإمكانيات الأمنية». وكتب أنه «تم تحديد توقيت وطبيعة الانسحاب (من أفغانستان) في العاصمة الأميركية. وجدنا أنفسنا كأوروبيين نعتمد على القرارات الأميركية ليس فيما يتعلق بعمليات الإجلاء من مطار كابول فحسب، ولكن أيضاً على نطاق أوسع».
وعليه، فإن الاتحاد الأوروبي سيبقى واحداً من أهم أولويات السياسة الأميركية التي تدرك أهمية التحالف معه من أجل القدرة على منافسة الصين في أكثر من مجال.
كاتب وباحث سياسي