قبل أن تقلب القصةَ أحداثُ الأسبوع الماضي، كان المسؤولون الأميركيون يعتقدون أن لدى السودان كل مقومات النجاح، وأنه يمثل نقطة مضيئةً تستطيع فيها واشنطن تشجيع مسيرة بلد في مرحلة ما بعد الثورة نحو ديمقراطية تنعم بالاستقرار. وكانت انتفاضة عام 2019 التي أنهت حكم عمر البشير، قد أدت إلى اتفاق لتقاسم السلطة بين المحتجين المدنيين وقادة الجيش، اتفاق انتقالي لثلاث سنوات رعته جزئياً الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وبالنسبة لواشنطن، مثّل هذا الاتفاقُ خارطةَ طريق واضحة من دون كثير من إراقة الدماء أو القمع وانعدام الاستقرار. غير أنه في الأسبوع أصدرت الولايات المتحدة تنديداً وعلّقت 700 مليون دولار من المساعدات إلى السودان بعد أن قام الجيشُ بحل الحكومة المدنية التي كان يحكم معها، وبإيقاف مسؤولين والاستيلاء على كامل السلطة. وفي اليوم التالي ندد الرئيس جو بايدن بما حدث باعتباره «انتكاسةً خطيرةً»، داعياً الجنرالات إلى إعادة الحكم المدني وإعادة البلاد إلى سكة الديمقراطية.
الجيش قام بما قام به بعد ساعات فقط على اجتماع بين المبعوث الخاص الأميركي إلى القرن الأفريقي جيفري فلتمان وقائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن السفير فلتمان حذّر من عواقب الاستيلاء على السلطة، مشدداً على أن من شأن خطوة من هذا القبيل أن تضع موضع شك المساعدة والدعم الأميركيين للسودان الذي يواجه تضخماً بنسبة 400% وبطالة مرتفعة.
ووصف دبلوماسيون ما حدث، في مجالس خاصة، بأنه «صفعة» تردد صداها من المنطقة إلى واشنطن.
وإذا كان الرد الأميركي على السودان يذكّر بشيء حتى الآن، فلأنه قبل ثمانية أشهر فقط، عندما لم تكن إدارة بايدن قد أكملت شهرها الأول في السلطة بعد، قوبل انقلاب عسكري على ديمقراطية ميانمار الفتية أيضاً بخطاب أميركي قوي، لكن من دون فعل أي شيء آخر تقريباً. إذ فُرضت بعض العقوبات، لكن لا شيء مما يمكن أن يثني قادة ميانمار العسكريين عن متابعة سعيهم المناوئ للديمقراطية.
صحيح أن الحدث السوداني قوبل بنشاط دبلوماسي مكثف قاده وزيرُ الخارجية أنتوني بلينكن، بهدف إظهار أن المجتمع الدولي موحد في المطالبة بعودة إلى الانتقال الديمقراطي للسودان. غير أن هناك مؤشرات قليلة جداً حتى الآن على أن الجيش يبدي استجابة. ويرى محللون أن ما يؤكده السودان هو أنه إذا كان بايدن يرغب في أن يكون المدافع عن الديمقراطية في العالم، فإن ذاك الدفاع حين يواجه تراجعاً خطيراً من غير المحتمل أن يتجاوز التنديد الحاد وبعض الإجراءات المالية المحتملة التي تستهدف الزعماءَ المناهضين للديمقراطية.
وفضلاً عن ذلك، يقول بعض خبراء السياسة الخارجية إن العالم يشهد صعوداً لما اصطلح عليه في الولايات المتحدة باسم «نظرية ضبط النفس» التي ترى أن التلويح بالضغط القهري الأميركي، عسكرياً كان أم حتى اقتصادياً، قلما يحقق نتائج إيجابية. وبالتالي، فمن الأحسن الامتناع عن التلويح بذلك الضغط من أجل إبعاد أميركا عن مشاكل من النوع الذي شهدته مؤخراً في كل من أفغانستان والعراق وليبيا.
وفي هذا الصدد، يقول بيتر فيفر، مدير برنامج الاستراتيجية الأميركية الكبرى في جامعة دوك والمسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس جورج دبليو بوش: «إننا نشهد اختباراً لهذه النظرية ضمن سلسلة من أزمات السياسة الخارجية متفاوتةَ الحدة، من ميانمار إلى السودان، ومن مضيق تايوان إلى تركيا». الأستاذ فيفر، الذي يصف تفضيل إدارة بايدن الصاعد لضبط النفس بسياسة «عدم القيام بأي شيء والتفرج»، يقول إن عدداً متزايداً من الأصوات يتساءل حول ما إن كان هناك تطرف ومبالغة في ما قد يُنظر إليه على أنه رد فعل ما بعد الانسحاب من أفغانستان. وأضاف فيفر قائلاً: «لا أحد يحاجج بضرورة رد عسكري أميركي» في أي من أزمات السياسة الخارجية الصاعدة التي يواجهها بايدن، «لكن البعض يتساءلون ما إن كانت سياسة ضبط النفس التلقائية تؤمّن المصالح الأميركية بشكل مناسب».
وبالمقابل، يقول آخرون إنهم مسرورون بالكيفية التي نقل بها بايدن الولايات المتحدة إلى التركيز على الدبلوماسية، مؤكدين على أنه لا ينبغي التقليل من شأن ممارسة القوة الناعمة. وفي هذا الصدد، تقول ماكيلا جيمس، النائبة السابقة للسكرتير المساعد لشرق أفريقيا والسودانَين، «إن الولايات المتحدة لا تعدم أدوات ضغط، فلدينا بعض الأدوات المهمة في السودان»، مضيفة: «وأولاها هي أننا نقف بقوة مع (السودانيين) الذين يرغبون في رؤية تقدم هذا الانتقال إلى الأمام، أي الشباب والنساء الذين حققوا هذا الانتقال أصلاً».
«لا تسيء فهمي»، تقول السفيرة جيمس، مضيفةً أنها ترغب في رؤية «رد أقوى» من الولايات المتحدة، لكنها تدرك أيضاً أن المسار الدبلوماسي الذي تسير عليه الإدارة من غير المرجح أن يحقق نتائج بين عشية وضحاها.
«فالأمر يستغرق وقتاً من أجل جمع ائتلاف من الأصوات، والإدارة محقة في اعتبار أن الموقف يتطلب ائتلافاً يتكون من القوى الغربية والقوى الإقليمية والجيران».
صحافي متخصص في شؤون الشرق الأوسط
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»