في الأيام القليلة الماضية، استدعى «ديمقراطيون» في مجلس النواب الأميركي المديرين التنفيذيين لكبريات شركات النفط لحضور جلسة من أجل توجيه اللوم إليهم. وكان يأمل «الديمقراطيون» أن تذكر الجلسة الجمهور بلوم المديرين التنفيذيين في شركات التبغ الكبيرة بسبب كذبهم قبل عقود. وأدلت الكسندريا أوكاسيو كورتيز النائبة «الديمقراطية»، كما هو الحال دوماً، بعبارة تذكارية في جلسة الاستماع. وقالت «كورتيز»: «أعتقد أن أحد الأمور المفقودة غالباً في هذه المحادثات هي أن بعضنا يتعين عليه العيش فعلياً في مستقبل تشعلون فيه أنتم جميعاً النار لنا». صحيح أن العبارة تذكارية، لكن إذا كان الهدف هو تعظيم فرص إخماد هذه النيران كان يجب عليها القول «أشكركم. نقبل عرضكم».
فهذا هو الرد الملائم على ما ظهر في موقع «معهد البترول الأميركي» - جماعة الضغط التي تدافع عن صناعة النفط - على الإنترنت. فقد جاء على الموقع العبارة التالية «بدلاً من جمع متنافر من اللوائح والقرارات الاتحادية وعلى مستوى الولايات لن تجدي نفعاً في الاستجابة على تحدي المناخ، يعد اتباع سياسة حكومية لسعر الكربون على امتداد الاقتصاد أكثر الوسائل تأثيراً وشفافية لتحقيق تقدم مهم». ماذا يعني هذا؟ وهذا ببساطة يعني أن صناعة النفط تؤيد أكثر السياسات كفاءة وفعالية في تقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وهي فرض ضريبة على الكربون أو نظام الحد الأقصى والمقايضة الذي يرفع تدريجياً أسعار النفط والغاز والفحم. والنتيجة ستتمثل في اقتصاد متحفز لتقليص استهلاكه من هذا الوقود ولدعم الابتكارات التي تجعلنا نستغني عنها.
والتزام الصناعة لا يثبت بالطبع أن المديرين التنفيذيين لشركات النفط مستعدون لتقديم الخيار الأفضل للكوكب على الأرباح. وربما كان النواب محقين في بعض الانتقادات الحادة للمديرين. وربما تبنى «معهد البترول الأميركي» موقفه - وهو ما جاء متأخر جداً، في مارس من هذا العام - من أجل تحسين الصورة العامة لدى الجمهور.
والرد المناسب لهذا هو: ما الأهمية؟ بل كل ما عليكم هو قبول العرض وفرض ضريبة على الكربون على المنتجات المستوردة حتى لا يتضرر المصنعون الأميركيون، وهذا سيخلق لدى المنتجين الأجانب حافزاً لوضع سعر للكربون أيضاً. من المؤسف أنه حين رأى اتحاد الصناعة الطريق الواضح، ابتعد جانب كبير من واشنطن عن هذا الحل الأكثر استقامة، وحاد «الديمقراطيون» التقدميون عنه لأنه خاضع للغاية لآليات السوق، وفضلوا عليه قرارات ودعماً حكومياً والمزيد من المساعدات المباشرة للجماعات منخفضة الدخل التي تضررت من سياسات الطاقة السابقة.
والرئيس بايدن لن يمس هذا لأنه وعد بألا يرفع الضرائب على أي شخص يحصل على دخل سنوي أقل من 400 ألف دولار في العام. والواقع أن فرض ضريبة على الكربون، ربما كان يراد به الاتساق مع هذا التعهد. وكثير من المقترحات التي قيد النظر منذ سنوات، مثل ذاك الذي دافع عنه السيناتور «الديمقراطي» كريس فان هولن، تعيد كل العائدات من ضريبة الكربون إلى دافعي الضرائب. وإذا قمنا بتقسيم هذه العائدات بالتساوي، سيستعيد الغالبية العظمى من الأميركيين أكثر مما أنفقوا من زيادة في كلفة الطاقة، فيما عدا الأكثر ثراء الذين يستهلكون أكبر قدر من الطاقة. لكن ما كان هذا ليوقف «الجمهوريين» عن مهاجمة «الديمقراطيين» باتهامات برفع الضرائب والنكث بالوعود.
ويجب أن يكون واضحاً أن بنود المناخ في إطار العمل الذي اقترحه بايدن طموح للغاية. فقد ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن مبلغ 555 مليار دولار سيكون أكبر مبلغ حتى الآن خصصته الولايات المتحدة، وبفارق كبير، للطاقة النظيفة. وأرصدة الضرائب والدعم قد تشجع الناس على شراء سيارات كهربائية وألواح توليد الطاقة من الشمس ودورات رياح، واتخاذ إجراءات أخرى قد تقلص بشكل ملحوظ انبعاثات أميركا من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ومع الأخذ في الاعتبار حالة الطوارئ التي يمر بها الكوكب، فالحاجة لضرب المثل أمام دول أخرى، وبعد سنوات من التأخر، فإن تضييع هذه الفرصة سيكون قريباً من ارتكاب جريمة.
لكن مازال الحال أن إطار العمل لن يقلص الانبعاثات بدرجة كافية كما يفعل بالتأكيد فرض سعر على الكربون. ولا مفر من أن تدخل الحكومة في بعض المراهنات المكلفة الخاطئة وتتجاهل بعض الابتكارات الواعدة، وتكافئ الكثير من الناس الذين لا يحتاجون مساعدة أو حثاً لاتباع «نهج أخضر».
لكن فرض سعر على الكربون مدعوماً باستثمار حكومي أساسي في البحث والتطوير سيجنبنا الكثير من هذه الأخطاء.
في السياسة، قد يكون رسم صورة لشرير أسهل بكثير من حل المشكلة. وبالتأكيد، لن يسفح كثيرون من الناخبين الدموع على رؤساء مجالس إدارات شركات مثل «إيكسون موبيل» أو «شيفرون». لكن شركات النفط الكبيرة ليست هي شركات التبغ الكبيرة. فالسجائر تقتل مستهلكيها وليس لها قيمة مستردة. في المقابل، يعتمد جميعنا على النفط والغاز الطبيعي، وسنظل هكذا لسنوات مقبلة بصرف النظر عن السياسات التي يتبناها الكونجرس. وأسرع طريقة لتغيير هذا يتمثل في أن يقبل الكونجرس عرض كبريات شركات النفط. صحيح أن هذا لن يكون لطيفاً على المسرح، لكنه سيساعد في إنقاذ الأرض.
فريد حياة
كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»