للتاريخ مفارقاته الخاصة، ومن أكثرها ما صاحب ذكرى اعتداءات 11 سبتمبر في عامنا هذا، وأولها إعلان حركة طالبان تنصيب حكومتها الانتقالية في الذكرى السنوية للاعتداءات، وآخرها إعلان وزير الأمن الوطني الأميركي اليخاندرو مايوركا في لقاء مع الإعلام الأميركي بنفس الذكرى في (نادي الصحافة الوطني National Press Club) في 9 سبتمبر 2021 «إن مصادر التهديد الإرهابي المحلي هي أعلى اليوم من مصادره الخارجية».
اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر مثلت حالة تعميد جديدة للجمهورية في اختبار حدود أحادية القطبية، من بناء الأمم إلى نشر القيم والمبادئ الأميركية، حيث باتت العناوين الحاكمة للسياسة الخارجية الأميركية هي تحرير المرأة، والحقوق المدنية، ذلك بالإضافة لتأمين الولايات المتحدة من أي عدوان خارجي مماثل لاعتداءات سبتمبر. إلا أن الولايات المتحدة كانت على موعد اجتماعي مثل ردة الفعل الطبيعية على عنجهية القوة واستراتيجية الخوف.
الإيهام بالغرق الذي اعتمد من قبل السي آي ايه CIA ومنسوبيها في التحقيق مع الموقفين عبر العالم، أسس لثقافة جديدة قامت على تجاهل أهم مبادئ المنظومة القيمية للولايات المتحدة، أي الحق في التقاضي العادل أمام القضاء الأميركي بما فيه القضاء العسكري. وبحسب تقارير مؤكدة اعتمدت من قبل مصادر إعلامية موثوقة مثل صحيفة «الجارديان» وأخرى أميركية، فإن ضحايا الحرب على الإرهاب حول العالم بلغ قرابة 930 ألف نسمة، وبلغ تعداد قتلى القوات المسلحة الأميركية في أفغانستان وحدها ما يفوق 2500 عسكري، وإصابات وإعاقة دائمة لما يتجاوز 50 ألف جندي أميركي، وكلفة رعاية صحية بالإضافة للكلفة المباشرة للعمليات العسكرية سوف تتجاوز 8.5 تريليون دولار بحلول 2035.
من هنا يأتي السؤال الأكثر إلحاحاً منذ إطلاق الولايات المتحدة لحربها على الإرهاب سياسياً واجتماعياً، وانتخابات 2020 هي الأكثر تعبيرا عن انكشاف المجتمع الأميركي لثقافة الخوف التي وظفت من قبل المؤسسة السياسية في استدامة حالة الحرب على الإرهاب. وبحسب تقرير صادر عن New America Thinktank فأن عدد الاعتداءات المصنفة «إرهابية» منذ اعتداءات سبتمبر قد بلغت 251 اعتداءً/ بلغ ضحايا المنظمات المنادية بسمو العرق الأبيض 114 ضحية نتيجة ما تجاوز 32 اعتداء/ بلغ ضحايا الاعتداءات من أفراد موالين لتنظيمات إرهابية (القاعدة/ داعش) 107 من خلال 14 اعتداء.
وبذلك يتضح مقدار تنامي معدل الاعتداءات ذات الانتماء العقائدي المنادي بسمو العرق الأبيض بالمقارنة مع الأخرى المنتمية عقائدياً لتيارات راديكالية إسلاماوية أو طارئة على الثقافة الأميركية. ليس خواء القيادة هو سبب الانكشاف الأميركي سياسياً واجتماعياً، إنما الاقتناع بحالة «الإيهام بغرق أميركا» وتراجع مكانة الحوكمة لصالح تغول مفهوم المصالح، وحتى ما رُفع من شعارات مثل (أميركا أولاً) إبان انتخابات 2020 وما قبلها، يستدعي عملية إصلاح منظومة الحوكمة الأميركية، أو التأسيس لجديدة قادرة على إعادة الجمهورية لخريطة بناء اجتماعي يتناسب ومسؤولياتها الوطنية قبل الدولية.
* كاتب بحريني