عودة طالبان إلى أفغانستان والسيطرة عليها لم تكن مستبعدة تماما من التوقع مع الأخذ في الاعتبار المفاوضات التي جرت بين الجماعة والولايات المتحدة. لكن غير المتوقع هو السرعة التي اكتسحت بها الجماعة البلاد. فقد استولت طالبان، مخيبة كل التوقعات، على كل الأقاليم الرئيسية دون أدنى مقاومة وسقطت العاصمة كابول في يد الحركة دون قتال.
وانهيار حكومة أفغانستان وفرار الرئيس أشرف غني من البلاد لم يفاجئ المراقبين العسكريين الدوليين فحسب، بل أيضا المفكرين الاستراتيجيين في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون). فقد استسلم أو انضم 300 ألف جندي من الجيش الأفغاني لمقاتلي طالبان بكل الأسلحة الأميركية التي معهم تقريبا وبسهولة. واستسلام هؤلاء الجنود الذين دربتهم القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) أبرز مرة أخرى تلك السمة الدفينة لدى الأفغان والخاصة بعدم قبول أي غزو أجنبي عبر تاريخهم.
ولهذا توصف هذه البلاد بأنها «مقبرة الامبراطوريات» سواء كان الغزاة المغول في العصور الوسطى أو البريطانيين في منتصف القرن التاسع عشر أو السوفييت في ثمانينيات القرن الماضي أو الأميركيين حاليا. وعودة طالبان تمثل تحديا كبيرا للمجتمع الدولي لأن لا أحد يستطيع الجزم بالطريقة التي ستتطور بها الحكومة التي تقودها طالبان. فقد استخدمت طالبان مواقع التواصل الاجتماعي بفعالية للترويج لتصورها للأوضاع ووجهة نظرها وأعلنت عفوا عاما عن كل السياسيين وأفراد الأمن والبيروقراطيين.
وحثت الجماعة مسؤولي الحكومة أيضا على العودة إلى العمل واعدة إياهم بعدم الثأر. وستكشف الأيام مدى التزام طالبان بوعودها بعد 31 أغسطس، الموعد النهائي لاتمام خروج القوات الأجنبية. واستيلاء طالبان على أفغانستان يمثل نموذجا فريدا في التاريخ للطريقة التي تغيرت بها حياة الأفغان في بضعة أيام. فالحشود اليائسة خارج مطار كابول تمثل علامة واضحة على الطريقة التي يحاول بها بعض الأفغان الفرار خشية الانتقام بسبب تعاونهم مع قوات الولايات المتحدة والناتو أثناء السنوات العشرين الماضية.
وهناك البعض الآخر يحاول انتهاز الفرصة للفوز بهجرة إلى الولايات المتحدة أو دول أوروبية لأسباب اقتصادية. ومن الواضح أن طالبان تصنع الجلبة الملائمة لها وتحاول إقناع المجتمع الدولي بأن الجماعة الآن أكثر تسامحا عما كانت عليه أثناء تواجدها في السلطة في تسعينيات القرن الماضي. وهذا هو السبب وراء التشكك في أن تغيير طالبان لخطابها ليس إلا استراتيجية للحصول على الاعتراف الدولي. ولاقناع السكان المتشككين والمجتمع الدولي يتعين على طالبان إثبات هذا على أرض الواقع.
والهند تتمتع بتواجد قوي في أفغانستان لكنها من بين الدول التي لم تحسم أمرها بشأن التعاون في المستقبل مع الإدارة الجديدة في كابول. وللهند حدود مع أفغانستان- قبل الاستقلال عن الاستعمار البريطاني وبعد تقسيم الهند واستقلال باكستان- والروابط بين البلدين قوية إلى حد كبير. وأثناء الغزو السوفييتي لأفغانستان كانت الهند ضمن الكتلة الاشتراكية وتحالفت مع السوفييت.
لكن مع خروج القوات السوفييتية ووصول طالبان إلى سدة الحكم في تسعينيات القرن الماضي وجدت نيودلهي نفسها في الوضع نفسه الذي تجد نفسها فيه اليوم، فقد أصبح خصمها السابق في السلطة. وأوجد غزو أميركا لأفغانستان وإلحاق الهزيمة بطالبان عام 2001 فرصة جديدة للهند كي تقيم من جديد علاقات دبلوماسية مع حكومة كابول بقيادة الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي.
وهذه الروابط تطورت سريعا على مدار العقدين الماضيين مع استثمار الهند أكثر من ثلاثة مليارات دولار في بناء المدارس والطرق والسدود ومقر البرلمان. صحيح أنه رقم متواضع مقارنة بإنفاق الولايات المتحدة في أفغانستان لكنه أيضا مبلغ ليس بالقليل. واستراتيجية تنمية أفغانستان التي اتبعتها الهند، وتضمنت بناء مدارس ومراكز صحية بخلاف مشروعات البنية التحتية، أريد بها بناء علاقات أقوى مع الشعب الأفغاني وإثبات حسن النوايا. وخسرت نيودلهي رهانها بعد أن استثمرت بشكل كامل في الحكومة الأفغانية ودعمت بكل ثقلها الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني.
فقد وضعها الاستيلاء السريع لطالبان على أفغانستان في وضع سيئ، وأضاع عقدين من الاستثمارات والدبلوماسية مع سحبها دبلوماسييها من أفغانستان. فقد أغلقت نيودلهي كل قنصلياتها بما في ذلك قنصليتي مزار شريف وقندهار في غمرة استيلاء طالبان السريع على المدن في منتصف الشهر الجاري.
واستيلاء طالبان السريع على البلاد دفع نيودلهي نحو إعادة النظر في سياستها تجاه أفغانستان. والهند في الوقت الحالي في وضع أسوأ من باكستان التي تتمتع بعلاقات وثيقة بطالبان ولذا يتوقع أن يكون لإسلام آباد نفوذ قوي في أفغانستان الآن.
ومع تدفق آلاف الأفغان على مطار كابول في محاولتهم المغادرة، ودون وجود حكومة في البلاد، ستظل أفغانستان محور اهتمام للمنطقة المحيطة بها والعالم.
*رئيس مركز الدراسات الاسلامية في نيودلهي.