ما زالت جائحة كورونا تلقي بظلالها على الأسواق العالمية. ومن ضحايا الجائحة «الرقائق الإلكترونية»، وهي شرائح إلكترونية مصنوعة من السيليكون، تسمى «أشباه الموصلات» أو «الدوائر المتكاملة»، وتعتبر العمود الفقري للأجهزة الإلكترونية، ولا يمكن الاستغناء عنها في صناعات كثيرة مثل السيارات والهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية، وغيرها الكثير، وهي تواجه مشاكل كبيرة اليوم بسبب كورونا وغلق المصانع والطلب المتزايد على الرقائق.
قبل أزمة كورونا، رزح هذا السوق تحت الضغط بفعل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث عمدت شركات كبرى، مثل «هواوي»، إلى تخزين كميات كبيرة للحد من وطأة العقوبات. وقد عملت الصين على نيل المزيد من الاستقلالية في هذا المجال عبر إنشاء صندوق بنحو ثلاثين مليار دولار لدعم صناعة أشباه الموصلات. ورغم أن الصين أكبر مستورد ومستهلك لأشباه الموصلات في العالم، فإنها لا تنتج سوى 16% من رقائق أشباه الموصلات، ما دفعها إلى التخطيط لإنتاج 70% من احتياجاتها من هذه الأشباه بحلول عام 2025.
ومع تفشي كورونا، واجه مصنعو الرقاقات الإلكترونية زيادةً مفاجئة في الطلب على أجهزة الكمبيوتر ومشغلات الألعاب الإلكترونية، لما واكب الجائحة من «عمل عن بعد» وحجر منزلي، فاختل ميزان الطلب حيث توقفت مصانع السيارات عن العمل، بينما نشطت الصناعات التقنية الدقيقة، مثل الأجهزة الذكية والكومبيوترات وأجهزة الألعاب.. بسبب زيادة الطلب عليها أثناء فترة الحجر الاحترازي. ومع عودة الطلب مجدداً لمصانع السيارات بشكل أكبر من المتوقع، وعدم قدرة الشركات الصينية على الاستمرار في الإنتاج بسبب العقوبات الأميركية، واستمرار احتكار هذه الصناعة لصالح عدد قليل من المصانع.. تكاد تكون عجلة سوق الرقائق الإلكترونية قد توقفت بالكامل، بل إن العديد من الشركات المصنعة للسيارات في العالم، بما فيها «فورد» و«جنرال موتورز»، اضطرت لإغلاق بعض مصانعها وتخفيض إنتاجها.
ومنذ منتصف إبريل الماضي أخذت الأزمة منحى سياسياً حين عقد الرئيس الأميركي جو بايدن اجتماعاً بالبيت الأبيض مع المديرين التنفيذيين التقنيين لشركات «إنتل» و«تايوان لصناعة أشباه الموصلات» و«سامسونج إلكترونيكس» وصانعي السيارات مثل «فورد» و«جنرال موتورز».. لمناقشة نقص الرقائق ومرونة سلاسل التوريد العالمية. كما بدأت الولايات المتحدة واليابان وألمانيا، أكبر ثلاث دول في العالم مصنّعة للسيارات، الضغط على اقتصادات صناعة الرقائق الرئيسية الآسيوية، وخاصة كوريا الجنوبية وتايوان، لإعطاء الأولوية لرقائق السيارات، حتى ولو كان ذلك على حساب مصنّعي الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب.
وبحسب خبراء، فإنه «بسبب النية الأميركية الواضحة لتقييد الصين من خلال الرقائق الإلكترونية، لن يتم تخفيف حدة النزاع الصيني الأميركي على المدى القصير، الأمر الذي لن يؤثر على الصناعات ذات الصلة بالتنمية الاقتصادية للصين والولايات المتحدة فحسب، بل إنه سيؤثر على استقرار سلسلة التوريد العالمية أيضاً». وقد ظهر ذلك حين أعلن الرئيس الأميركي أن «الصين تخطط بنشاط لإعادة وضع سلسلة توريد الرقائق الإلكترونية والسيطرة عليها»، وهو ما يوضح أن بايدن يسير على خطى استراتيجية سلفه دونالد ترامب، بل إنه وسّع القيود المفروضة على الاستخدام العالمي لمنتجات وتقنيات الرقائق في الصين. ومن المؤكد أن الإدارة الأميركية تحشد للوقوف في وجه الصين، وأن الرقائق الإلكترونية ستكون الإطار الجديد للتنافس الأميركي الصيني.
كاتب وباحث سياسي