تنطوي الحوادث التي تعرضت لها بعض السفن التجارية في بحر العرب وخليج عُمان الأسبوع الماضي، على أخطار حقيقية ليس فقط لحرية الملاحة البحرية الدولية في هذه المنطقة المهمة من العالم، وإنما أيضاً للأمن والاستقرار الإقليمي، بالنظر إلى التطورات التي تمر بها المنطقة وتزامنها أيضاً مع تنصيب رئيس جديد في إيران، التي تتهمها الدول الغربية وإسرائيل بالوقوف وراء تلك العمليات.
وهذه ليست هي المرة الأولى التي تتعرض فيها سفن تجارية ونفطية لهجمات في بحر العرب أو الخليج العربي، فقد شهدت المنطقة على مدار السنوات القليلة الماضية هجمات عدة عرّضت حرية الملاحة في المنطقة للخطر، واشتدت وتيرتها مؤخراً في إطار ما أطلق عليه «حرب الناقلات»، وذلك في سياق: أولاً، المواجهة بين إيران وإسرائيل، حيث تبادل كلا الطرفين الاتهامات على مدى الأشهر الماضية بمهاجمة سفن الطرف الآخر.
وثانياً، التوتر بين إيران والولايات المتحدة على خلفية العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران بسبب ملف إيران النووي. لكن ما حدث الأسبوع الماضي من تجدد لهذه الهجمات يأتي في سياق يحمل بعض الدلالات، لعل من أهمها أنه حدث بالتزامن مع تنصيب إبراهيم رئيسي رئيساً جديداً لإيران، ومن ثم فقد يُنظر إلى هذه الهجمات باعتبارها مؤشراً على اتجاه السياسة الإيرانية في المرحلة المقبلة.
لقد جاءت هذه التطورات مترافقة مع حالة الترقب التي تسود المنطقة والعالم بشأن سياسة الرئيس الإيراني الجديد تجاه قضيتين مترابطتين: الأولى، هي الموقف من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، والخاصة بالملف النووي، والتي توقفت جولتها السادسة في يونيو الماضي بسبب خلافات حول مسائل مهمة، وكان يسود تفاؤل حذر بإمكانية التوصل لحل بشأنها، لأنها تتعلق ببعض التفاصيل الفنية.
وأما القضية الثانية فهي سياسة الرئيس الإيراني الجديد تجاه المنطقة، وخاصة دول الخليج العربية، حيث أكد «رئيسي» أكثر من مرة أن تحسين العلاقات مع دول الجوار، وخاصة المملكة العربية السعودية يعدُّ أولوية بالنسبة له. ومن ثم فان ما حدث، إذا ثبت بالفعل مسؤولية طهران عنه، سيلقي بظلال من الشك ليس فقط حول مستقبل الاتفاق النووي، ومسألة العقوبات التي أكد رئيسي أن سيعمل على رفعها، وإنما أيضاً حول السياسة الإيرانية في عهد الرئيس الجديد، حيث تبعث مثل هذه الحوادث برسائل غير مطمئنة لدول المنطقة والعالم الذي ينتظر رؤية سياسة إيرانية مختلفة وأكثر ميلاً للتعاون وحل الأزمات العالقة سلمياً، وقد أكدت دول المنطقة بالفعل رغبتها في فتح صفحة جديدة مع إيران تسهم في تخفيف حدة التوتر وإعادة الاستقرار الإقليمي للمنطقة، والذي يصب دون شك في مصلحة كل شعوب المنطقة وفي مقدمتهم الشعب الإيراني.
إن حرية الملاحة وسلامتها في منطقة الخليج العربي هي مصلحة مهمة وأساسية لجميع الأطراف في المنطقة والعالم، بما فيها إيران، التي تسعى للخروج من مظلة العقوبات والتركيز على رفاهية شعبها، وهذا الأمر يجب أن يكون البوصلة التي تهدي جميع الأطراف.
* تريندز للبحوث والاستشارات.