حتى الأمس القريب، كان جنوب شرق آسيا قد أفلت من وطأة وباء كوفيد-19. ولكن في مثال على مدى صعوبة التنبؤ بكوفيد- 19، تُظهر إندونيسيا وميانمار وتايلاند وماليزيا حالياً زيادات حادة في عدد الإصابات منذ نهاية يونيو. وهذا ينطوي على درس مهم لكل البلدان في العالم بضرورة عدم التراخي وتسريع برامج التلقيح، التي تُعتبر خط الدفاع الرئيس ضد الجائحة.
ومن الواضح أن بؤرة الوباء قد انتقلت من الهند، التي شهدت في أبريل ومايو الماضيين عدداً قياسياً بلغ 400 إصابة في اليوم، إلى إندونيسيا التي أصبحت الآن بؤرة العالم بسبب «متحور دلتا» شديد العدوى. فإندونيسيا، التي تُعد أكبر بلد في المنطقة من حيث عدد السكان بأكثر من 270 مليون نسمة، تسجّل أكبر عدد من الإصابات في جنوب شرق آسيا، إذ لديها الآن أكثر من 3.5 مليون إصابة.
وقد أبرزت تقارير وسائل الإعلام نقصاً في الأوكسجين وأسرّة المستشفيات في وقت ارتفعت فيه الإصابات؛ إذ اكتظت المستشفيات بالمرضى خلال الشهر الماضي على جزيرة جافا ذات الكثافة السكانية العالية وفي بالي. ووفق تقارير إعلامية، فإن الموجة التي تضرب إندونيسيا لم يسلم منها الأطفال أيضاً.
وحسب جمعية طب الأطفال الإندونيسية، فإن معدل الإصابة بالنسبة للأطفال يُعد من بين الأعلى في العالم بواحد من ثمانية أو 362 ألف إصابة مؤكدة. وعلاوة على ذلك، فإن إندونيسيا تجاوزت أعداد الإصابات والوفيات المسجلة في البرازيل والهند. ويُعتقد على نطاق واسع أن أعداد الإصابات قد تكون أعلى في الواقع بالنظر إلى أن أعداد الاختبارات ما زالت متواضعة.
وهذا دليل واضح على أن أي بلد لا يمكنه التراخي في مواجهة الوباء، وخاصة في وقت تشهد فيه عدة بلدان موجة العدوى الجديدة. كما أن ما حدث في الهند مع الموجة الثانية في أبريل ومايو الماضيين اعتُبر أيضاً تحذيراً لبلدان أخرى، إذ شهدت الهند «متحور دلتا»، الذي خلق ضغطاً شديداً على البنية التحتية الصحية، حيث كان هناك نقص في أسرّة المستشفيات والأوكسجين والأدوية. وكانت الهند قد حوّلت كل الأوكسجين الذي لديها، بما في ذلك الأوكسجين الموجه لأغراض صناعية، إلى المستشفيات. والآن تقوم إندونيسيا بالشيء نفسه أيضاً. وكانت الهند قد شهدت ارتفاعاً في عدد الإصابات اليومية بأكثر من 400 ألف إصابة في اليوم خلال ذروة الموجة الثانية من الوباء. وواضح أنه كانت هناك دروس من الهند لبلدان جنوب شرق آسيا بضرورة الرد بسرعة على ارتفاع الإصابات. ولكن في نموذج لاضطرار البلدان إلى إحداث توازن بين الجانبين الصحي والاقتصادي من وباء فيروس كورونا، أعلنت بعض الحكومات عن تخفيف لبعض القيود، مثل السماح للأسواق التقليدية والمطاعم التي لديها مساحات في الهواء الطلق بإعادة الفتح.
ولكن هذا القرار قوبل بقدر من الانتقادات. غير أن إندونيسيا ليست الوحيدة التي شهدت ارتفاعات في جنوب شرق آسيا، التي اندمجت مع بعضها البعض كتكتل إقليمي. وخلافا لجنوب آسيا، تجمع بين بلدان جنوب شرق آسيا علاقات قوية وهي مترابطة مع بعضها البعض بشكل وثيق، وهو ما يفسّر الارتفاعات التي تشهدها المنطقة حاليا. إذ تشهد ميانمار ارتفاعاً في عدد الإصابات منذ يونيو وقد حطمت رقماً قياسياً جديداً الأسبوع الماضي بـ355 إصابة. ويذكر هنا أن البلد عالق في انقلاب عسكري واضطرابات سياسية وسط احتجاجات ضد الاستيلاء على السلطة. ويُعتقد أن كل هذه العوامل ساهمت في ضعف الرد على وباء كوفيد؛ إذ تذهب التوقعات إلى أن أرقام الإصابات قد تكون أعلى بكثير مما تم تسجيله رسمياً.
وبالمثل، شهدت ماليزيا أيضاً ارتفاعاً في عدد الإصابات. ويوجد هذا البلد منذ يناير الماضي تحت حالة الطوارئ التي أعلنها رئيس الوزراء محيي الدين ياسين. ورغم تطبيق حالة الطوارئ والإغلاق الصارم في ماليزيا، إلا أن ذلك لم يؤدِّ إلى انخفاض في الإصابات بكوفيد. وفي الفلبين أيضا بدأ عدد الإصابات في الارتفاع، وتسعى السلطات جاهدة هناك إلى كبح انتشار «متحور دلتا». فقد بدأت الإصابات مؤخراً في الارتفاع؛ وهذا الأسبوع علّقت السلطات السفر من ماليزيا وتايلند.
وعليه، فمن الواضح أنه يتعين على البلدان أن تواصل توخي الحذر بخصوص وباء كورونا. فجنوب شرق آسيا كان قد أفلت من الوباء، ولكن ما يحدث هناك الآن يُعد دليلا على أنه إذا كان عدد متزايد من التلقيحات قد أدى إلى إضعاف قوة الفيروس، فإن «متحور دلتا» أسرع انتشاراً بكثير من أي متحور آخر من فيروس كورونا. ولهذا، لا بد من توخي الحذر بشكل مستمر، مثلما أنه لا بد من رفع وتيرة برنامج التلقيح.
فعلى البلدان أن تسرع في تلقيح أكبر عدد ممكن من سكانها لتجنب تفشٍّ أكثر خطورة للفيروس، وزيادة الإصابات بين السكان. ويذكر هنا أن إندونيسيا وميانمار لديهما أيضاً معدلات تلقيح متدنية في وقت تتعرض فيه البنية التحتية الصحية للبلدين لضغط شديد. فماليزيا لقّحت 15% فقط من سكانها، بينما لقحت إندونيسيا أكثر من 5.5٪ وتايلند 4.74%، على التوالي.
والآن، لجأت العديد من دول جنوب شرق آسيا إلى لقاح «سينوفاك» الصيني بسبب المشاكل التي واجهتها في الحصول على لقاحات من الولايات المتحدة وأوروبا. ومن المتوقع أيضاً أن تؤخّر موجةُ كوفيد الجديدة التعافي الاقتصادي في جنوب شرق آسيا؛ ولكن من الواضح أن تركيز المنطقة برمتها منصب الآن على السيطرة على هذه الموجة.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي