انتخاب باراك أوباما رئيساً، مرتين متتاليتين، في عامي 2008 و2012، ثم انتخاب نائبة للرئيس كامالا هاريس في 2020 كأول امرأة أو شخصية من ذوي البشرة الملونة تشغل هذا المنصب، هما تطوران يؤشران، رغم كل ما نراه في الولايات المتحدة الأميركية، على أن تعصب ذوي البشرة البيضاء أصبح في تراجع. وفي المقابل، نتذكر أن «أميركا أولاً» و«لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» و«ضرورة بناء أسوار وحواجز لمنع الهجرة» هي في الحقيقة شعارات قديمة/ جديدة وبالتالي لم يخترعها الرئيس السابق دونالد ترامب.
منذ اقتحام مؤيدي (ترامب) مبنى الكونجرس، في 6 يناير 2021، تطرح الأسئلة العديدة في المشهد السياسي الأميركي على رأسها إيجاد مسار يخرج الحزب «الجمهوري» من مأزقه السياسي استعداداً للانتخابات النصفية للكونجرس المقررة في 2022، ولاحقاً الاستحقاق الرئاسي المقرر في 2024. ولقد تزايدت الأسئلة بعد تلميحات (ترامب) العديدة أنه يفكر «بجدية كبيرة» في خوض الاستحقاق الرئاسي المقبل «في مواجهة بايدن أو أي مرشح «ديمقراطي» آخر في العام 2024، الأمر الذي أوقف بحث الحزب عن مرشحين محتملين لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة بانتظار إعلان (ترامب) لمشاريعه السياسية النهائية.
يعيش الحزب «الجمهوري» اليوم في ظل ثلاثة طروحات: الأول ينادي بضرورة الابتعاد عن ترامب على قاعدة الافتراض بأنه أضر بصورة الحزب بحيث أصبح «يواجه تهديداً وجودياً»، فيما يشدد الطرح الثاني على أن ترامب هو إحدى أوراق الحزب الرابحة، وبالتالي لا ينبغي التمرد عليه أو التخلي عنه، فيما الرأي الثالث مستسلم لفكرة أن ترامب فعلياً يسيطر على الحزب والتخلص منه ما عاد يجدي نفعاً، خاصة بعد استطلاع الرأي الذي أجرته «وول ستريت جورنال» وشبكة «إن بي سي نيوز» ويغطي عام 2020، والذي وصف فيه نحو 60% من «الجمهوريين» أنفسهم بأنهم مؤيدون لترامب وليس للحزب «الجمهوري»، وأنهم يدعمونه على نحو مطلق.
منذ خروج ترامب بدأ البحث عن زعامة جديدة، أبرزها مجموعة أسماء ستتنافس فيما بينها على رأسها نائب الرئيس السابق (مايك بنس) ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو والمندوبة السابقة بالأمم المتحدة نيكي هيل والسيناتور توم كوتن وتيد كروز وماركو روبيو. ويعقد أعضاء جمهوريون في الكونجرس اجتماعات مغلقة متتالية في محاولة لاستبعاد الشخصيات المتطرفة من مؤتمرهم وتسليط الضوء على السياسات الوسطية المحافظة التي يعتبرونها قادرة على استقطاب الناخبين، خاصة وأنهم لا يرون أملاً في استمرار (ترامب) الذي يواجه مشاكل عدة في طليعتها متاعب قضائية متزايدة وصولاً إلى التحقيق الفدرالي بحق محاميه الشخصي السابق (رودي جولياني).
التباينات داخل أروقة الحزب «الجمهوري» ما زالت تتواصل، وأبرزها موقف النائبة «ليز تشيني» رئيسة مؤتمر الحزب «الجمهوري» في مجلس النواب، والتي صوتت على عزل ترامب، بل إنها وقفت مُلوّحة بقبضتها في تحية تقدير للرئيس «الديمقراطي» (جو بايدن) خلال دخوله قاعة الكونجرس لإلقاء خطابه الأول. وقد تفاقم الخلاف في اجتماع مغلق عقد مؤخراً في فلوريدا بين زعيم الأقلية «الجمهورية» في مجلس النواب كيفن مكارثي وتشيني، وهو تطور كان «الجمهوريون» الساعون إلى توحيد صفوف الحزب يأملون في تجنبه. بل إن «ليز تشيني» لم تستبعد ترشحها أيضاً لانتخابات الرئاسة في 2024، وهي التي باتت تقدم نفسها على أنها الوجه المناهض (لترامب). ومثل هذه التداعيات تجعلنا نميل إلى التأني بانتظار معرفة الموقف النهائي للرئيس السابق ترامب من جهة، ومعرفة مدى تصميم واتساع المناهضين له في الحزب «الجمهوري» من جهة ثانية.