ما زلنا نعيش نفحات عيد الأضحى المبارك، فكل عام وأنتم بخير. لماذا نحتفل بهذا العيد؟ سؤال ليس بحاجة إلى إجابة فلسفية، كمسلمين نمارس طقوسنا الدينية وفق ما أمر به الخالق سبحانه تعالى مقتدين بسنة خير البشرية ورسول الإنسانية عليه أفضل الصلاة والسلام.
بيد أنني بدأت بهذا السؤال كي أعرج على معاني العيد البعيدة جداً والممتدة عبر قرون خلت من الأزمنة شهدت تفاعل الإنسان مع التحديات المختلفة التي تواجهه، ففي ذلك دروس ثرية لنا كمسلمين وللعالم قاطبة فما هي هذه التحديات؟ رحلة الإنسان على كوكب الأرض بدأت باختبار صعب، وهو أن يستمتع آدم وحواء عليها السلام بما في الجنة بشرط ألا يقربا شجرة واحدة كانت ترمز إلى الحرام.
غوى آدم عندما صدق مقولة إبليس بأنها شجرة الخلد وملك لا يبلى، فأكل ثم ندم وتاب فكان أن هوى مع زوجته إلى مقر إقامته الجديد على كوكب الأرض. هناك عرف آدم بالتجربة العملية معنى العبودية ودلالاتها، ومن هنا يجتمع الحجاج قاطبة على صعيد عرفة كي يكرروا بلسان الحال والمقال لا إله إلا الله، مخلصين بها من قلوبهم بعد أن تجردوا من الدنيا وما فيها.
خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام مرّ بتجربة صعبة أُمر بترك زوجته وابنه في أرض جرداء وصحراء بلا ماء، كي يُختبر في ولائه ودينه، فقالت له زوجته المؤمنة: هل أمرك الله بهذا؟ قال نعم. قالت لن يضيعنا، فكان سعيها شريعة لنا في حجنا وتكريماً لها على إيمانها، واستمر الاختبار الصعب بأن أمر إبراهيم بعد ذلك بذبح ابنه، فلما همّ بذلك وأعد عدته وقال له ابنه المؤمن: يا أبت افعل ما تؤمر، فَدى الله الذبيح بقربان ما زلنا نتعبد بهذه الشعيرة إلى يومنا هذا في أضحية العيد، كي نتذكر أن الربح مع الطاعة، والذل في المعصية.
ولما بُعث خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام استمر الابتلاء به من أقرب الناس إليه، فهاجر من بلده التي يحبها. ابتُلي المؤمنون في أنفسهم وأموالهم، وزلزلوا زلزالاً شديداً، وجاء الحج كي يجتمع من أمن احتفالاً بالنصر، وقد ورث العرب قبل بعثة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام حجاً مشوهاً هو بقايا من الأزمنة الغابرة تم تحريفه عبر الزمن، فجاء الرسول عليه الصلاة والسلام، وجدّد العهد بالحج، وقال خذوا عني مناسككم، وخالف في حجه كثيراً مما تعودت عليه العرب، كي يعيدهم إلى ملة التوحيد من جديد، وكان بيان عرفة في خطبته المشهورة عليه الصلاة والسلام نبراساً لكل من أراد أن يفهم الإسلام من جذوره الصحيحة، دون زيغ أو تحريف.
الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للبشرية، وهو العقيدة التي بعث بها كل الأنبياء بعد آدم عليه السلام، وملخصها في وحدانية الخالق، وأن لا نعبده إلا وفق منهج ارتضاه لنا، وكل زيغ عن ذلك المنهاج يحمل في طياته بدعةً، وكل بدعة ضلالة، لأنها تبعدنا عن جذور هذا الدين العظيم.
* أكاديمي إماراتي