عندما أخبرت إدارة المتنزهات الوطنية سوزان برينان فيرستنبرج أن معرضها الفني القادم سيكون الأبرز في البلاد -حيث سيقام في الحديقة الأمامية الشهيرة في أميركا (سنترال بارك) –كان هذا بمثابة حلم وتحقق. «شفيرستنبرج»، 61 عاماً، وهي فنانة محلية قامت بإنشاء حقل ملئ بالأعلام البيضاء يمثل كل منها حالة وفاة بسبب كوفيد-19 في الولايات المتحدة: «في الخريف الماضي، اضطررت إلى تقديم طلبين إضافيين للحصول على أعلام بعد طلبي الأول البالغ ربع مليون علم.
لقد جعلني هذا حرفياً أشعر بالغثيان». عندما افتتحت معرضها الأول المتعلق بوباء كورونا في أكتوبر2020، كان امتداداً مذهلاً من الأعلام البيضاء الصغيرة المنتشرة على العشب خارج مستودع الأسلحة بالعاصمة، بالقرب من ملعب روبرت كينيدي التذكاري.
بدا الأمر وكأنه تساقط ثلوج في وقت مبكر، حيث توقف المارة وهم يهزون رؤوسهم في أسى بجانب التمثيل المادي للعدد الكبير من الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا. وقال لي «كينيث نجوين»، 31 عاماً، بعد أن ترجل عن دراجته البخارية عند حافة المعرض في الخريف الماضي وبدأ في التقاط الصور «إنه لأمر مدهش رؤية كل شيء هنا»، كان عدد الضحايا في ذلك الصباح: 221.247.
وكانت «فيرستنبرج» تقوم بتحديث هذا الرقم يومياً على لافتة ضخمة في أحد طرفي الحقل، وتستبدل الأرقام التي تحتفظ بها أشرطة الفيلكرو كلما أصدرت جامعة جونز هوبكنز عدداً إجمالياً جديداً. في ذلك اليوم 22 أكتوبر 2020 توفي 1041 شخصاً بسبب فيروس كورونا. كنا نهز رؤوسنا بينما كنا نحاول التوصل إلى مقارنات لفهم هذا الحجم. هذا العدد يفوق عدد ركاب الطائرتين 747 المليئتين بالركاب اللتين اصطدمتا بالبحر.
يبدو الأمر وكأن كل سكان سانت مايكلز على الساحل الشرقي لماريلاند قد تبخروا. إنه مثل فقدان الجمهور في مسرح آيزنهاور في مركز كينيدي. بحلول الوقت الذي قامت فيه فيرستنبرج بتفكيك المشروع في نوفمبر، كان عدد الضحايا قد وصل إلى 250,000. فتقدمت الفنانة بطلب للحصول على تصريح لنقل المنشأة إلى المول الوطني من أجل التنصيب الرئاسي، لكنها لم تتلق أي رد. وبدلاً من ذلك، كان المركز التجاري مليئاً بـ 200,000 من الأعلام الأميركية وأعلام الولايات، والتي تمثل الحشد الذي لم يُسمح له بالتواجد هناك نظراً للقيود المفروضة بسبب الجائحة. كان ذلك مستوحى من مشروع فيرستنبرج، لكن ليس هو نفسه. في ذلك اليوم، 20 يناير2021، توفي 4,440 شخصاً بسبب كوفيد -19. (هذه تقريباً جميع الخسائر الأميركية في أكثر من سبع سنوات من حرب العراق. وهي أيضاً أكثر من جميع القتلى في 11 سبتمبر 2001. إنها تقريباً تعادل عدد سكان لوراي بولاية فيرجينيا).
استمر معدل الوفيات في الارتفاع مع عودة الناس من التجمعات الشتوية التي لم تكن تتسم بالحكمة، واضطراب الرحلات الجوية الطويلة وفيروس كورونا. كانت «فيرستنبرج» تشعر بالقلق. وقالت: «شعرت بأنني ملزمة أخلاقيا بتكريم كل تلك الوفيات».
وبعد ذلك، عندما بدأت الوفيات تصل إلى أرقام غير مفهومة، قامت إدارة المتنزهات الوطنية بدعوة «فيرستنبرج»، حيث عثرت على الطلب الذي تقدمت به من قبل وأشادت به. هذه المرة، سيكون معرضها الذي يحمل عنوان -«في أمريكا: تذكر» -أكثر من ضعف الحجم. وقالت فيرستنبرج: "رؤية المعدلات المرتفعة من الحالات التي تحتاج إلى دخول المستشفيات -المقياس الرئيسي للوفيات -تجعلني أرغب في البكاء. فهذه وفيات يمكن منعها". يبلغ عدد ضحايا كوفيد-19 حالياً أكثر من 607000، أي أنه يقارب عدد القتلى الأميركيين في الحرب الأهلية والحرب العالمية الأولى والثانية مجتمعة. ستحصل فيرستنبرج، اعتباراً من منتصف سبتمبر، على مساحة 22 فداناً من المول، لمدة 17 يوماً، لمساعدتنا على تصور حجم هذا الوباء. وقالت: «أريد أن يفهم الأميركيون أن قوتنا تنبع من تقديرنا لبعضنا البعض. فالبلد ليس مجرد مفهوما، بل الأفراد الذين يتألف منهم، جميعهم». سيكون هناك عنصر تقني يسمح لأي فرد من الجمهور بتخصيص علم لتكريم أحد أفراد أسرته، ثم مشاهدة لقطات للعلم أثناء غرسه ورفرفته في النسيم. يبلغ متوسط معدل الوفيات حالياً 300 حالة يومياً، مع تطعيم المزيد من الأميركيين وقيام الأمة بإعادة فتح أبوابها.
ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن النسخة المتحورة من الفيروس، المعروفة باسم «دلتا» الأكثر عدوى، تؤدي إلى زيادة جديدة في الحالات، خاصة في المناطق التي تكون فيها معدلات التطعيم منخفضة، وتعتقد فيرستنبرج أن توقيت المعرض الجديد -17 سبتمبر -سيقدم تحذيراً فعالاً مع بدء إعادة فتح المدارس والأنشطة. إن جمهورها المستهدف هم أولئك الذين تتناقض ممارساتهم مع «حب الوطن» وذلك برفض تلقي اللقاح.
بيتولا دفوراك*
*كاتبة أميركية متخصصة في الشؤون المحلية .
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزز سيرفس»