في مشهد درامي مقزز ومثير للاشمئزاز والدهشة، تعرضت النائبة البرلمانية التونسية عبير موسي لاعتداء بالضرب المبرح غير المسبوق تحت أية قبة برلمانية في عالم اليوم من قبل برلماني آخر. تشير المعلومات التي نُشرت حول شخصيته وانتمائه السياسي بأنه من جماعات التيار الديني المتطرف، وينتمي إلى جماعة هي في تحالف مع حزب «النهضة»، الواجهة السياسية للإخوان في تونس.
وعبير موسي، هي رئيسة كتلة الحزب «الدستوري الحر»، التي تعارض «الإخوان» بشدة، ولذلك هي تتعرض لمناكفاتهم وتهديداتهم بالعنف واعتداءاتهم اللفظية التي انتهت في نهاية المطاف بهذا الاعتداء الجسدي المؤلم تحت قبة البرلمان وعلى مرمى الأشهاد دونما خجل أو استحياءً وإدراك بأن المتعرض للضرب هي امرأة يخجل أي رجل قويم من مسها بهذا الشكل المهين.
والحقيقة أن هذا الفعل المشين بحد ذاته ليس هو المهم لديّ بالدرجة الأولى رغم بشاعته ورفضي واستنكاري له، لكنه يثير لديَّ قضيتين مهمتين ضمن ممارسات «الإخوان»، ومن والاهم في هذا العصر، هما عدم احترام المرأة؛ وعدم الإيمان بالديمقراطية والحرية رغم الشعارات الرنانة التي يرفعونها بشأنهما.
في أدبيات «الإخوان» التي تناقش شؤون المجتمع يلاحظ وجود العديد من الأقوال والطروحات إلى أهمية المرأة ودورها في المجتمع، وبأن لها مكانة، وبأنها واجبة الاحترام والتقدير إلى غير ذلك من أقاويل، هي في حقيقتها حبر على ورق، ولا يطبق منها شيء في الحياة الحقيقية، رغم أن الإسلام، سواء في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة، قد أوردها في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، فهي بذلك مكرمة من الخالق عزّ وجلّ، ومن نبيه الكريم، صلى الله عليه وسلم، فهي بذلك ذات قضية لا تقل عن قضية الرجل، وهي مكملة لسنة الله في خلقه، ولا يمكن لأي مجتمع أن يكون قويماً ومستقيماً دون وجودها، فهي الأم والزوجة والبنت وهي الشريك المتضامن في هذه الحياة مع الرجل.
لكن ما يمارسه «الإخوان» وغيرهم من المتشددين والمتطرفين ضد المرأة، بعيد عن كل ما ينادي به الإسلام في واقعه، ويخالف شرع الله جملة وتفصيلاً. وحادثة تونس بالأمس القريب خير دليل على ذلك. أما بالنسبة لوقف «الإخوان» من الديمقراطية والحرية، فإنه رغم مناداتهم بها إلا أن الفكرة لديهم هي وسيلة للوصول إلى السلطة، ثم التشبث بها والتفرد بمزاياها، ومن ثم إقصاء الآخرين، وليست غاية في حد ذاتها، وهي في الواقع قائمة على التجميع الحتمي لجماعات تنتهج نمطاً موحداً من الأيديولوجيا، التي تقصى الآخرين وتنتهج التطرف والعنف ضدهم لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المنشودة في فكرهم للوصول إلى السلطة وتكوين الثروات الخاصة.
ورغم أنهم وصلوا إلى السلطة فعلاً في تونس، إلا أنه تم رفضهم بفكرهم المتطرف من قبل الشعب التونسي، فأقصاهم عنها سريعاً بسبب خطرهم على الديمقراطية والتعددية والحريات العامة. محاولة إقامة الدولة والحكومة الإسلامية دون وجود أسس مسبقة كما هو الحال في تونس هو عبارة عن دعوة إلى بث الفوضى في أوضاع سياسية واجتماعية قائمة، وتخريب للعملية الديمقراطية والتعددية السياسية وللحرية وللدولة الوطنية العصرية.
وضمن محتوى الدولة الوطنية العصرية القائمة حالياً في تونس يمثل «الإخوان» أعداء سياسيين حقيقيين لها بسبب تنظيمهم المتقن من كافة الجوانب على مستوى الكوادر والسياسة والمال والتغلغل في أوصال المجتمع. «الإخوان» في فكرهم الاستراتيجي يرفضون قبولهم بالدولة الوطنية العصرية، لأنها تعبير غير إسلامي عن نظام الحكم، فهي غريبة عن الإسلام، كما يقولون. لذلك فهم يسعون إلى إقامة الدولة والحكومة الإسلامية كأنموذج أصيل يخص المسلمين وحدهم، وهذا ادعاء باطل، لأن الإسلام لم يحدد لنفسه دولة خاصة به يأمر بإقامتها في كل مكان وزمان، وترك الأمر للمسلمين في كل عصر لإقامة نمط الدولة التي يشاؤون وتناسب ظروفهم في العصر الذي يعيشون فيه. لكن «الإخوان» مُصرِّون على فكرتهم، وعليه فهم يسعون إلى إشاعة الفوضى في تونس وفي غيرها من بلاد العرب والمسلمين وفقاً لمفاهيم «الفوضى الخلاقة» غربية الأصل، التي يعتقدون بأن انتشارها سيفضي حتماً إلى وصولهم إلى السلطة المطلقة، ذلك يحدث رغم قبولهم الراهن بالدولة الوطنية وبالعملية الديمقراطية فقط كإطار تكتيكي مرحلي. ووفقاً لهذا الطرح، فإن الأيديولوجية «الإخوانية» تحمل فكراً مضاداً للديمقراطية والحرية تجلى في الاعتداء الجسدي على النائبة عبير موسي الذي يشكل فضيحة مدوية لهم ولفكرهم الضال.
* كاتب إماراتي