بينما يتفاوض الرئيس جو بايدن و«الجمهوريون» حول التعريف الحقيقي للبنية التحتية، أثار بعض الجمهوريين إمكانية استخدام الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتمويل المشاريع الجديدة.
وستقوم الحكومة بإنشاء طرق وجسور جديدة بتمويل من الشركات الخاصة، والتي ستحصل بعد ذلك على حصة من «رسوم المستخدم» المفروضة على الأشخاص الذين يقودون سياراتهم. لكن انتشار الطرق ذات الرسوم عبر بعض أجزاء الولايات المتحدة يتسبب بالفعل في إلحاق الضرر بنظام الطرق السريعة الوطني. يعد نظام الطرق السريعة بين الولايات الأميركية أحد معجزات العالم الحديث.
يمكنك أن تتساءل عما إذا كان جعل النقل في هذا البلد يعتمد على السيارات هي فكرة جيدة أم لا، لكن الحجم الهائل للإنجاز، والنشاط الاقتصادي الذي نتج عنه، ليس موضع شك. ومع ذلك فهو جزء واحد فقط من شبكتنا الواسعة من الطرق السريعة. لقد اعتاد الأميركيون على التفكير في تلك الطرق السريعة كشيء يمكنك الدخول إليه والخروج منه حسبما تشاء. تم تخليد الرومانسية على الطريق المفتوح -التنقل في سيارتك والانطلاق في جميع أنحاء البلاد- في روايات مثل «على الطريق» لجاك كيرواك. عندما كنت شاباً، عشت هذا الواقع، حيث كنت أتنقل على الطريق مع أصدقائي عبر تكساس والجنوب الغربي، وأتوقف عند المدن على جانب الطريق، ولم أفكر مطلقاً في من قام بتشييد هذا الطريق.
في الغالب، لا تزال الأمور على هذا النحو، اعتباراً من منتصف العقد الثاني من القرن الـ21، كان حوالي 5,000 ميل فقط من الطرق الأميركية عبارة عن طرق ذات رسوم مرور، من إجمالي 95,000 ميل من الطرق السريعة. لكن منذ مطلع القرن، والطرق السريعة تتزايد بسرعة وبمعدلات مكونة من رقمين، بينما كانت الطرق السريعة العامة تزداد بشكل أبطأ بكثير. وفي بعض الولايات، مثل فلوريدا، أصبحت الطرق ذات الرسوم مألوفة بالفعل، بينما في حالات أخرى، مثل تكساس، أصبحت أكثر عدداً.
هناك بعض الأسباب الوجيهة لإنشاء الطرق الخاضعة للرسوم، أهمها تخفيف الازدحام عن طريق رفع تكلفة قيادة السيارات الفردية. وهذا هو السبب في أن الجسور أو الطرق السريعة المؤدية إلى مدينة نيويورك تخضع لرسوم كثيرة. لكن عبر معظم الأراضي الأميركية المترامية الأطراف، حيث الطرق أقل ازدحاماً، فإن فرض الرسوم يكون أساساً لغرض آخر: توفير أموال الحكومة.
يسمح ما يسمى بالشراكات بين القطاعين العام والخاص للشركات بالمساهمة في تمويل إنشاء الطرق السريعة وصيانتها، مقابل استرداد هذا التمويل من خلال الرسوم. مع نقص السيولة في حكومات الولايات في أعقاب الركود العظيم، وعدم رغبة الحكومة الفيدرالية بشكل متزايد في تمويل البنية التحتية بسبب المعارك السياسية الحزبية المريرة، أصبحت الشراكات بين القطاعية العام والخاص أكثر جاذبية من الناحية المالية. يجد التحرريون (الليبرتاريون) أن هذه الشراكات جذابة لأنها تمثل تقليصاً لدور الحكومة، بينما يستمتع بعض الليبراليين بفكرة جعل السفر على الطرق أكثر تكلفة.لكن هناك بعض السلبيات الخطيرة لهذا الاتجاه. أولا، لا تملك الشركات الخاصة نفس الحوافز التي تمتلكها الحكومة. وتريد الحكومة بشكل عام تسهيل نمو الاقتصاد الإقليمي، بينما تريد الشركات الخاصة ببساطة جني أكبر قدر ممكن من الأرباح من الطريق السريع.
وهذا يؤثر على المشاريع التي يتم تمويلها. لن تحصل الشركة الخاصة التي تبني طريقاً على القيمة الكاملة للنشاط الاقتصادي الناتج عن وجود هذا الطريق. ونظراً لتأثيرات الشبكة، فإن كل طريق يتم بناؤه يجعل جميع الطرق الأخرى أكثر إنتاجية من الناحية الاقتصادية، ويكون الطريق السريع المعزول أقل قيمة من الطريق السريع الذي يتصل بالعديد من الطرق السريعة الأخرى. ولكن حيث أن كل شركة خاصة تبني جزءاً واحداً فقط من الشبكة بدلا من الشبكة بأكملها، فإنها ستميل إلى إهمال هذه القيمة الإضافية، نظراً لأنها غير قادرة على استخراجها عن طريق الرسوم. وبالتالي، فإن الاعتماد على الشراكات بين القطاعين العام والخاص سيعني إنشاء عدد قليل جداً من الطرق. وعلاوة على ذلك، هناك تكلفة مزعجة لاستخدام الطرق ذات الرسوم. فقد أدى تحصيل الرسوم إلكترونياً إلى جعل استخدام هذه الطريقة أقل صعوبة إلى حد ما، ولكن لا يزال يتعين عليك إبطاء القيادة عبر محطات الرسوم. أيضاً، مع ارتياد الطرق السريعة، لن تضطر أبداً للتفكير ملياً متى تدخل أو تخرج من الطريق، ومع الخضوع للرسوم، يصبح كل اختيار لطريق حساباً اقتصادياً. وبالنسبة لذوي الدخل المنخفض الذين تشكل الرسوم عبئاً كبيراً عليهم، فإن هذا يضيف ضغوطاً في بلد يعاني فيه الفقراء بالفعل من متاعب كثيرة. وللممرات السريعة، التي أصبحت أكثر شيوعاً، عيوبها الخاصة.
فهي تؤدي إلى عدم مساواة واضحة على الطريق، حيث ينحصر الأشخاص ذوي الدخل المنخفض في الاختناقات المرورية بينما تنطلق النخبة القادرة على سداد الرسوم المرورية من دون عوائق. وحتى هؤلاء يكونون مقيدين للغاية، حيث يتعين عليهم البقاء في هذه الحارة طوال وقت السفر الطويل. وأخيراً، يمكن أن تركز الطرق ذات الرسوم النشاط الاقتصادي في المدن الكبرى أكثر مما هي عليه بالفعل.
فتوقف الناس على جانب الطريق أمرٌ مكلّف ويمكن أن يخنق شريان الحياة الاقتصادية للأعمال التجارية الصغيرة والبلدات الواقعة على جانبي الطريق، مما يحرم المناطق الريفية من الإيرادات. وبالتالي، يمكن أن تؤدي طرق الرسوم إلى تفاقم عدم المساواة الإقليمية التي أصبح الأميركيون قلقين بشأنها بشكل متزايد في السنوات الأخيرة. لذلك يجب على الولايات المتحدة أن تفكر ملياً قبل أن تقضي على الطريق الأميركي العظيم.
*كاتب ومحلل اقتصادي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»