عندما بدأت أخبار وباء كورونا تتدفق، في بداية عام 2020 عبر وسائل الإعلام على اختلافها وتعدد مهامها، وامتلأت بها أذهان البشر على كامل البسيطة، لم يكن أحد يفكر أو يصدق، حتى في ذروة ذلك الضخ الخبري، أن يحدث هذا التفشي للخراب في كل شيء، وأن يصل عدد القتلى في العالم إلى مليونين ونصف المليون حتى مطلع عام 2021، وأن يؤدي إلى تدمير الأسر والمجتمعات، واضطراب الاقتصادات والديناميكيات السياسية داخل البلدان وفيما بينها. الكثيرون حسبوه مرضاً شبيهاً بالإنفلونزا أو الزكام، يضرب لفترة قصيرة ثم ينتهي. وحتى كتاب تاريخ الأوبئة في العالم، الذي يتحدث عن أنواعها ومددها منذ آلاف السنين، لم يضع لأي وباء ضارب مدة تتعدّى خمسة أشهر، أو ستة أشهر في أسوأ الحالات، ينتهي بعدها وتعود الحياة إلى طبيعتها، خضراء زاهية. ترى هل اكتفى «كوفيد-19»، بمختلف تحوراته، بهذا الكم من الخراب والضحايا؟
على الرغم من أن الحياة في النهاية هي التي سوف ينتصر، فإن توقعات التقرير الأخير لـ«الاتجاهات العالمية 2040»، الصادر في مارس 2021 عن مجلس الاستخبارات الوطنية الأميركي، تشير إلى «احتمالية حدوث أمراض جديدة، وحتى السيناريوهات التي تم تخيّلها مع الوباء، لكننا افتقرنا إلى صورة كاملة عن اتساع وعمق إمكاناته التخريبية. لقد أدى فيروس كورونا إلى زعزعة الافتراضات القائمة منذ فترة طويلة حول المرونة والتكيف، وخلق شكوكاً جديدة حول الاقتصاد والحوكمة والجغرافيا السياسية والتكنولوجيا». وليت التقرير اكتفى بهذا التوصيف غير السار في كثير من جوانبه، ولم يضع أسئلة من قبيل: «أين من المحتمل أن نشهد تحولات أساسية ومنهجية؟ وهل الاضطرابات مؤقتة، أم يمكن للوباء أن يطلق العنان لقوى جديدة لتشكيل المستقبل بشكل يشبه الهجمات الإرهابية إلى حد كبير؟». يبدو أن جائحة كورونا وهي تلّون أيامنا كما تريد، ستنتج بعض التغييرات التي سيشعر بها الناس لسنوات مقبلة، وسوف تغيّر الطريقة التي نعيش بها، ونعمل بها. ومع ذلك، كما ورد في التقرير، فإن «مدى عظمة هذه الأمور تبقى موضع شك كبير»، أي أنه لا ينبغي تهويلها، بل وضعها في حجمها الطبيعي.
وخلاصة القول أنه على الإنسان الحذر والوعي بكل ما يتعلق بصحته وأهل بيته، وأن يطّلع ما وسعه الاطلاع، لكن في النهاية عليه أخذ الأخبار من مصادره الوطنية، فهي الأكثر اهتماماً وصدقاً.
*إعلامي وكاتب صحفي