تقدمت حكومات أميركا اللاتينية التي تضررت بشدة من فيروس كورونا بالشكر للمساعدات الدولية التي حصلت عليها في الأسابيع الأخيرة.
لكن أمة واحدة غابت بشكل ملحوظ من عبارات الشكر: الولايات المتحدة.
وقالت «كريستينا فرنانديز دي كيرشنر»، نائبة الرئيس الأرجنتيني، الأسبوع الماضي: «مَن كان يعتقد أن اللقاحات الوحيدة التي سنحصل عليها هي الروسية والصينية؟».
وقد أرسلت الولايات المتحدة هذا الأسبوع حوالي 2.7 مليون جرعة إلى مكسيكو سيتي. لكن بالنسبة للجزء الأكبر من أميركا اللاتينية، كانت روسيا والصين أسرع تسليماً من الولايات المتحدة وأوروبا. وقد تكون لهذا آثار جيوسياسية دائمة في منطقة يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها تعتمد على جارتها الشمالية العملاقة في القيادة الدولية.
لقد أمضت روسيا والصين عقوداً في محاولة تحقيق نجاحات اقتصادية ودبلوماسية في أميركا اللاتينية، من خلال البث الإعلامي باللغة الإسبانية، ومبيعات الأسلحة، والتجارة.. مع تحقيق نسب متفاوتة من النجاح. لكن المراقبين يقولون إن إعطاء الأولوية لأميركا اللاتينية الآن يمكن أن يكون له مردود طويل الأجل، من الدعم في هيئات مثل الأمم المتحدة إلى الصفقات التجارية والعلاقات الاقتصادية الأقوى.
ويقول «أندريس سيربين»، رئيس مركز «كرايز»، وهو مركز أبحاث إقليمي مخصص للقضايا الاجتماعية والاقتصادية، ومقره الأرجنتين: «من الواضح حقاً أن هذه ليست مجرد دبلوماسية لقاحات، بل هي الجغرافيا السياسية للقاحات. غالباً ما يُنظر إلينا باعتبارنا هامشيين في الشؤون العالمية، ولكننا أصبحنا فجأة هدفاً للبلدان الكبرى لتعزيز مصالحها من خلال تواجد أقوى، سواء أكان اقتصادياً أم استراتيجياً.
لقد أدى قرار الولايات المتحدة بالتركيز على إمداد سكانها أولاً بجرعات اللقاح إلى تضخيم الفراغ القيادي في المنطقة، والذي بدأ بعد 11 سبتمبر، عندما تحولت المصالح الأميركية بقوة نحو الشرق الأوسط ومحاربة الإرهاب. ووجدت روسيا والصين فرصة للتدخل.
واليوم، تعتبر شحنات اللقاح وسيلة لإثبات أنه «إذا كنت تواجه متاعب، فإن روسيا هنا لمساعدتك»، كما يقول فيكتور جيفتس، الأستاذ بجامعة سانت بطرسبيرج، والذي يركز على العلاقات الروسية مع أميركا اللاتينية. واستطرد: «لدينا القدرة ولدينا التكنولوجيا. الشيء نفسه ينطبق على الصين».
تلك هي الرسالة التي سمعتها بوضوح بلدان مثل باراجواي، وهي آخر دولة في أميركا اللاتينية لا تزال تعترف بتايوان. وقد حاول أعضاء مجلس الشيوخ في باراجواي إلغاء ذلك الاعتراف، بالنظر إلى أن الصين ستساعد باراجواي بشكل أفضل في خضم الوباء، رغم أن مشروع القانون تعثر في الغرفة الثانية من البرلمان. ومؤخراً قال وزير خارجية باراجواي إقليدس أسيفيدو إن نظيره الأميركي أنتوني بلينكين طلب من باراجواي الاحتفاظ بموقفها السابق. لكن على حلفاء باراجواي، كما قال أسيفيدو، «إثبات ولائهم لهذا التحالف».
وبعد أن ضرب «كوفيد-19» المنطقة، قدمت الصين مساهمات استراتيجية في الوقت المناسب، كما كتب سينثيا سانبورن، الأستاذ بجامعة المحيط الهادئ في بيرو. فقد تبرعت بكين بالإمدادات الطبية، وقدمت مبيعات سريعة لأجهزة التنفس الصناعي وسيارات الإسعاف والأقنعة والأكسجين، بالإضافة إلى قروض بقيمة مليار دولار لدفع تكاليف لقاحات «كوفيد-19». وقال سانبورن: «بينما تخلت الولايات المتحدة عن الاضطلاع بدور قيادي عالمي في مكافحة هذا الوباء، لجأت العديد من الحكومات في أميركا اللاتينية إلى الصين للحصول على المساعدة». وكانت الصين بالفعل الشريك التجاري الأساسي للعديد من دول أميركا الجنوبية، ويمكن تعزيز تلك العلاقات التجارية.
وهناك أيضاً فائدة من القوة الناعمة التي تسعى إليها روسيا كذلك، مثلها مثل الصين، وكلاهما يواجهان انتقادات من جانب الولايات المتحدة. لكن ما هو واضح، وتستذكره أميركا اللاتينية، هو أن الصينيين والروس أتوا للمساعدة قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وعلى عكس الاتحاد السوفييتي السابق، فإن روسيا اليوم مهتمة بأكثر من مجرد الجغرافيا السياسية، فهي تبحث عن فرص تجارية جديدة أوسع. وتنظر روسيا إلى أميركا اللاتينية باعتبارها واحدة من أعمدة مستقبل عالم متعدد الأقطاب. إن أميركا اللاتينية مهمة لأصواتها العديدة في الأمم المتحدة، وكذلك كمكان لبيع وشراء السلع والبضائع.
إنها أيضاً فرصة لإغاظة الولايات المتحدة، لأن اللقاح الروسي «سبوتنيك في» تمت الإشادة به في المكسيك قبل أن ترسل الولايات المتحدة دعمها الخاص. وهذه حقيقة يعتقد البعض في المكسيك أن حكومتهم يجب أن تستفيد منها بصورة أكبر، بالنظر إلى مدى تشابكها العميق مع الولايات المتحدة من خلال العمالة والاقتصاد والهجرة.
ويقول «خوسيه ماريا راموس»، الأستاذ في كلية الحدود الشمالية المكسيكية: «على الولايات المتحدة أن تنظر إلى هذا على أنه إشارة تنبيه بأنها تفقد نفوذها. إنها بحاجة إلى إعادة التفكير في نهجها».
ولطالما كان من مصلحة واشنطن الحفاظ على علاقات عمل وثيقة مع جيرانها، الأمر الذي اتضح خلال الحرب الباردة، عندما اندلعت التوترات بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة في العديد من دول أميركا اللاتينية. لكن الحاجة إلى الدعم والاستثمار في أميركا اللاتينية ظهرت في الآونة الأخيرة أيضاً، مع تزايد أعداد المهاجرين وطالبي اللجوء الذين وصلوا إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.
ويشك بعض منتقدي الصفقات في قدرة موسكو وبكين على تقديم كل ما وعدتا به. لكنهما إذا استطاعتا، فإن المساعدة في مجال مكافحة الأوبئة «ستحسن بالتأكيد العلاقات بينهما وبين أميركا اللاتينية. لن أقول إنها ستؤدي إلى تفاقم العلاقات مع الولايات المتحدة، لكنها ستجعل من الصعب على الأخيرة استعادة نفوذها في المنطقة»، كما يقول جيفتس.
ويتني أوليتش
صحفية لدى «كريستيان ساينس مونيتور» تغطي أميركا اللاتينية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»