توجه الإسرائيليون إلى مكاتب الاقتراع يوم الثلاثاء الماضي لرابع مرة في ظرف عامين. والأكيد أنها انتخابات غريبة، جزئياً لأن البعض يعتبرها مهمة جداً، في حين يرى آخرون أنها لا تحمل أي جديد.
ولعل التشويق الوحيد الذي كانت تنطوي عليه هذه الانتخابات، بالنسبة لجزء كبير من الجمهور الإسرائيلي وأنصار إسرائيل في الولايات المتحدة، هو ما إن كانت ستنهي أخيراً حياة بنيامين نتنياهو السياسية، أم ستمنحه ولاية أخرى كرئيس للوزراء. ونظراً لأنه كان رئيساً للوزراء لـ15 عاماً من أصل الـ25 عاماً الماضية – بما في ذلك الـ12 عاماً الأخيرة – فيمكن القول إن هذه الانتخابات تدور حقاً حول نتنياهو.
والواقع أن نتنياهو كان دائماً شخصية مثيرة للجدل إلى حد كبير. ولئن كان نتنياهو دائماً من مناصري الجناح اليميني، فإنه لم يتردد أبداً في التظاهر بالاعتدال أو التخلي عن حلفاء مخلصين إذا كان من شأن ذلك أن يؤمّن قبضته على السلطة.
وفضلاً عن ذلك، فإن سياسات نتنياهو خلال الـ25 عاماً الماضية أحبطت أيضاً إدارتي بيل كلينتون وباراك أوباما «الديمقراطيتين»، بينما حببته إلى «الجمهوريين»، وخاصة المحافظين الجدد والجناح المسيحي الأصولي للحزب. وقد ازداد هذا الأمر سوءاً خلال السنوات الأربع الماضية من خلال احتضانه الكامل لدونالد ترامب.
وبالنظر إلى أن نتنياهو وأبرز خصومه متفقون جميعاً، وإلى حد كبير، على الإبقاء على السيطرة الإسرائيلية على المستوطنات وتوسيعها في معظم الأراضي المحتلة، وهذا ما سيؤدي إلى حرمان الفلسطينيين من السيادة الكاملة، وحرمان مواطني إسرائيل الفلسطينيين من حقوق متساوية، فإن هذه الانتخابات لن تتعلق بالسلام والعدل؛ وإنما ستجمع بين نتنياهو ومجموعة ممن يقولون إنهم يتبنون سياسات مختلفة عن سياساته. إنها انتخابات تتعلق بما إن كان حكمه ينبغي أن يكافَأ، وما إن كان ينبغي للتملق لليمين الديني أن يستمر.
ويعتقد الكثير من أنصار إسرائيل الليبراليين في الولايات المتحدة، أو بالأحرى يأملون في خسارة نتنياهو، على اعتبار أن ذلك خطوة مهمة من أجل استعادة إسرائيل لدعم «الديمقراطيين» الأميركيين، والحال أن هذا مجرد وهم في أفضل الأحوال، ذلك لأنه إذا كان نتنياهو قد تسبب في توتر مع المؤسسة الحزبية «الديمقراطية» في الولايات المتحدة، فإن السياسات الإسرائيلية والوعي المتزايد بما أُرغم الفلسطينيون على تكبده تحت الاحتلال، هو ما تسبب في الانقسام – ليس فقط بين الطرفين فحسب، ولكن أيضاً بين قاعدة الحزب «الديمقراطي» وقيادته في الكونجرس. وبالتالي، فإذا كان التعويل على خسارة نتنياهو قد يحسّن صورة إسرائيل بالنسبة للبعض، فإنه لن يغيّر المواقف بشكل جذري، إلا إذا كان هناك تغير في السياسات. والحال أن هذا غير موجود على أجندة أي من خصوم نتنياهو.
والحقيقة أن الفلسطينيين وأنصارهم يصابون بالحيرة حين يسمعون ويقرأون لمعلّقين في الولايات المتحدة يشيرون إلى هذه الانتخابات على أنها انتخابات تجمع الجناح اليميني (نتنياهو والأحزاب الدينية) ضد ائتلاف ما يمكن تسميته بـ«يسار الوسط»، وذلك لأن المشهد السياسي الإسرائيلي مال إلى اليمين كثيراً، لدرجة أن ما يمكن تسميته بشكل صحيح باليسار لن يكون قادراً على الفوز بأكثر من سدس المقاعد في الكنيسيت القادم. ولن يكون قادراً على التأثير في سياسات الحكومة المقبلة – سواء قادها نتنياهو أو ائتلاف من خصومه.
ولعل الدينامية الجديدة والسلبية الوحيدة في هذه الانتخابات هي تمزق «القائمة العربية المشتركة» التي جمعت، ذات مرة، أكثر من مليونين من مواطني إسرائيل العرب تحت سقف واحد. ذلك أن أحد الأحزاب العربية، ونظراً لمعاناته من عدم المساواة في التوظيف والخدمات الحكومية، وإهمال الشرطة، استسلم في الأخير لتودد نتنياهو ووعده له بدعم أكبر، فانشق عن «القائمة المشتركة»، ولم يتعلم من دروس الماضي. والحال أن هذا الحزب لن يضمن تحالفه مع نتنياهو.
وتُظهر استطلاعات الرأي الآن أن هذا الحزب العربي، الذي ينتمي إلى «الإخوان المسلمين»، قد يتمكن بالكاد من الفوز بما يكفي من الأصوات لدخول الكنيسيت، في حين كان من المتوقع أن تفوز الكتلة الرئيسية لـ«القائمة المشتركة» بثمانية إلى تسعة مقاعد فقط، مقابل 15 مقعداً فازت بها حين كانت متحدة.
غير أنه بالنسبة للأكثر من خمسة ملايين فلسطيني الذين يعيشون تحت الاحتلال، لا تعدو هذه الانتخابات أن تكون مجرد «جعجعة بلا طحن»، وذلك على اعتبار أنها لن تغيّر سوى الحزب الذي يدير الحكومة الإسرائيلية. وما يخشونه هو أن يسمح وجه جديد على رأس الحكومة الإسرائيلية لأنصار إسرائيل في الولايات المتحدة بالتنفس بشكل أسهل لبعض الوقت، بحيث يُكسب ذلك إسرائيل بعض العلاقات العامة الجيدة، بينما لن يغيّر حياتهم أو يفعل شيئاً جديداً تجاه السيطرة التي تفرضها إسرائيل على أراضيهم ومستقبلهم.