بعد سبع سنوات من الحرب الأهلية، وجد الليبيون أخيراً زعيماً لرئاسة حكومة موحدة وإنهاء الفوضى في بلادهم.
إنه رجل أعمال ملياردير، ويعلق الليبيون - الذين أنهكتهم سنوات الاضطرابات - آمالهم عليه بحذر.
إنهم مستعدون اليوم لتقبل شخص يمكنه إبرام الصفقات والبدء في إعادة البناء. ومن المقرر أن يقدم رئيس الوزراء الجديد والمنفتح لليبيين شيئاً لم يروه طوال العقد الماضي: تقدم حتى ولو كان محدوداً في البداية. وسيكون ذلك موضع ترحيب. فمنذ عام 2014، وليبيا تحكمها حكومتان متنافستان في حالة حرب مع بعضهما البعض، وكل منهما تدعمها قوى أجنبية. لقد تم نهب ثروتها النفطية وتدمير بنيتها التحتية.
الآن، ومع وصول الفصائل المحلية ورعاتها الأجانب إلى طريق مسدود، هناك أمل في التوصل إلى وقف إطلاق نار متقلقل لمدة ثمانية أشهر، وعملية تقودها الأمم المتحدة لاستعادة حكومة مستقرة وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات سلمية بحلول ديسمبر.
وتعزى حقيقة أن ليبيا شهدت يوم الاثنين قبل الماضي أداء اليمين لأول حكومة موحدة لها منذ سبع سنوات، إلى حد كبير، إلى رئيس الوزراء المؤقت الجديد نفسه، عبد الحميد الدبيبة، الذي كان الحصان الأسود في انتخابات أجريت الشهر الماضي وضمت 73 ناخباً ليبياً اختارتهم الأمم المتحدة.
منذ ذلك الحين، بنى «دبيبة» دعماً واسعاً لحكومته الجديدة من خلال الاستفادة من خبرته واسمه المعروف، حيث لعب العديد من الأدوار في حياته المهنية الطويلة، مثل إنشاء مشاريع التنمية الكبرى في مرحلة النظام السابق. علاوة على ذلك، فقد كان ثورياً ووسيطاً مع السلطة من مسقط رأسه في مصراتة خلال انتفاضة 2011 التي أطاحت بالقذافي، ثم ممولاً للكفاح الليبي ضد تنظيم «داعش» الإرهابي.
كما استغل الملياردير، الذي تلقى تعليمه في تورنتو، تعاملاته التجارية الدولية لتهدئة القوى الأجنبية التي تتدخل في ليبيا، مما مكنه من تشكيل حكومة ائتلافية واسعة يمكن للجميع الموافقة عليها.
يقول جليل حرشاوي، زميل بارز في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية بجنيف: «ما يحاول الدبيبة القيام به هو إرضاء أكبر عدد ممكن من الجهات الفاعلة، وتجنب الصراع، وضمان تدفق الأموال والمشاريع والمواقف لجذب أكبر عدد ممكن من الأطراف».
تتمثل أولى مهام الدبيبة في توحيد النظام المصرفي الليبي وإعادته للعمل مرة أخرى، وإصلاح الشبكة الكهربائية لتزويد الليبيين بالطاقة طوال الوقت، قبل أشهر الصيف الحارة.
ويتعين عليه أيضاً توحيد المؤسسات الحكومية التي أنشأها النظامان المتنافسان في شرق البلاد وغربها، واللذان سيطرا على السلطة على مدار السنوات السبع الماضية، ومعالجة ارتفاع حالات كوفيد-19.
من خلال قطع الوعود للحكومات المحلية بإقامة مجموعة من مشاريع البناء في مناطقها، تمكن رئيس الوزراء القادم من استرضاء اللاعبين في الشرق والغرب.
لكن المراقبين يحذرون من أن هذا ربما يضغط على الخزانة الليبية، التي حرمت من عائدات النفط لمدة عام.
وقد وعد رئيس الوزراء الجديد بتخليص البلاد من 20 ألف مرتزق أجنبي، وصفهم بأنهم «طعنة في ظهر ليبيا». ولكن قد لا يكون ذلك سهلاً. على مدى السنوات الست الماضية، كانت القوى الأجنبية تستخدم مثل هؤلاء المرتزقة، إلى جانب الفصائل المحلية والحكومات المتنافسة، لتنفيذ أجنداتها.
وتواجه قوات الجانبين (في شرق ليبيا وفي غرب ليبيا) حالياً حالة من الجمود حول مدينة سرت في منطقة مركزية منتجة للنفط. وقد صمد وقف إطلاق النار خلال الأشهر الثمانية الماضية بين القوى الخارجية الأربع، التي تبدو حالياً راضية عما اكتسبته.
يقول المحلل الليبي محمد الجرح: هناك فرصة لأن القاهرة وأنقرة وموسكو قد ترى «الدبيبة» كشخص يمكنه تحقيق التوازن الذي كانوا يبحثون عنه ويؤمّن كل مصالحهم. إنه جسر محتمل بين الأطراف المختلفة.
لم تعالج عملية الأمم المتحدة القضايا المتفجرة الأخرى التي تُقسّم البلاد- تقاسم السلطة، والحكم المحلي، والإصلاح المؤسسي - وأجلتها إلى ما بعد الانتخابات.
النقطة الأكثر إثارة للجدل هي من يحتفظ بالسيطرة على جيش موحد، وهي القضية التي أشعلت حربين أهليتين منذ سقوط القذافي. وقد تعامل «دبيبة» بمهارة مع هذه المسألة من خلال الاحتفاظ بمنصب وزير الدفاع لنفسه.
يقول المراقبون الليبيون: إن الولايات المتحدة يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في دعم حكومة الوحدة، في الوقت الذي تسعى فيه إلى إعادة بناء البلاد وترسيخ وقف إطلاق النار وتحويله إلى سلام دائم.
ومن جانبه، أشاد وزير الخارجية الأميركي «أنتوني بلينكين» بتشكيل الحكومة الليبية ووصفه بأنه «خطوة مرحب بها»، داعياً «القوى الأجنبية إلى المغادرة الآن».
*كاتب وصحفي أميركي متخصص في الشؤون العربية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»