مرّ أكثر من شهر على تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، وقد آن الأوان للتساؤل حول ملامح سياسته المقبلة تجاه الشرق الأوسط. الرئيس لم يكشف عن كثير من التفاصيل حتى الآن، بالنظر إلى أولويته في التعاطي مع فيروس كورونا الذي قتل أكثر من 500 ألف أميركي، والأزمة الاقتصادية الخطيرة التي تسبب فيها الوباء. غير أنه أعطانا فكرة عن مقاربته لموضوعين رئيسيين يرى أنهما ملحان جداً: السياسة الأميركية تجاه إيران واليمن.
فبخصوص إيران، يعتزم بايدن إعادة التعامل مع الحكومة الإيرانية ومحاولة إعادة إحياء الاتفاق النووي بطريقة ما. بايدن كان نائباً للرئيس عندما عُقد الاتفاق النووي في 2015، ويعتقد أن الرئيس ترامب كان على خطأ حين انسحب منه لأن الاتفاق علّق برنامج إيران النووي وأتاح عمليات تفتيش غير مسبوقة لمنشآت إيران النووية. ولكنه يدرك أن بعض البلدان وبعض أعضاء الكونجرس ينتقدون الاتفاق النووي بسبب صلاحيته الزمنية المحدودة، وفشله في وقف تطوير إيران للصواريخ، وأنشطتها السلبية في المنطقة. كما يعتقد أنه نظراً لأن الاتفاق النووي لم يتخذ شكل معاهدة، فإنه كان من السهل جداً على ترامب الانسحاب منه. وبايدن يريد معالجة هذه العيوب والنقائص إن استطاع. وقال إنه إذا عادت إيران إلى الاتفاق النووي، فإنه سيعود إليه أيضاً، ولكنه أضاف أنه سيحاول عقد اتفاقات ملحقة مع إيران «بتشاور مع آخرين»، لتشمل هذه المواضيع الأخرى. ومن جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني: إن إيران ستعود إلى الاتفاق الأصلي إذا عادت إليه الولايات المتحدة، ولكن بايدن يأمل أن تفعل طهران أكثر من ذلك.
بيد أنه سيكون من الصعب إضافة اتفاقيات ملحقة لعدة أسباب. ومن ذلك أن الاتفاق النووي وقّع بعد عدة أشهر من المفاوضات الشاقة مع الإيرانيين. ففي 2015، قرّرت إدارة أوباما- بايدن أن البنود التي تم الاتفاق عليها في تلك اللحظة هي أفضل ما كان ممكناً في تلك الظروف. كما أن شركاء أميركا في المفاوضات – بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا – كانوا متفقين على ذلك. فقد كانوا يدركون أنهم لم يُدرجوا بعض الشروط التي كان يريدوها منتقدو الاتفاق، ولكنهم كانوا يعتقدون أن القيود التي فرضت على تطوير إيران لبرنامج نووي، وعمليات التفتيش غير المسبوقة، ستجعل من الاتفاق النووي شيئاً يستحق الجهد. وكانوا يأملون أن يشكّل قاعدةَ تعاون لاتفاقات حول مواضيع أخرى في المستقبل.
الرئيس بايدن تحدّث عن اتفاقات ملحقة لأنه يريد أن يبعث برسالة إلى منتقدي الاتفاق النووي، مفادها أنه يفهم وجهة نظرهم، وأنه سيحاول بلوغ بعض الأهداف التي اعتُبرت في السابق غير قابلة للتحقيق. ولهذا، يعتزم استخدام الدبلوماسية والعمل مع الحلفاء عوضاً عن استخدام التهديدات وتكثيف العقوبات، مثلما حاولت إدارة ترامب. غير أنه من غير الواضح ما إن كان يستطيع إقناع الإيرانيين بالموافقة على اتفاق موسّع وأفضل من الاتفاق النووي الذي تم التفاوض حوله بحذر.
وزير الخارجية الأميركي تحدّث مع شركاء أميركا الأوروبيين مؤخراً؛ وهؤلاء يبدون مستعدين للمساعدة على بدء مفاوضات جديدة حول اتفاق نووي. كما أن رد فعل كل من روسيا والصين كان إيجابياً. ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف قال: إن بلاده تريد التفاوض؛ وبالتالي، يبدو أن جهداً دبلوماسياً سيبدأ قريباً. غير أنه ينبغي القيام بقدر كبير من العمل أولاً.
أما المشكلة الشرق أوسطية الكبيرة الأخرى التي يواجهها بايدن، فهي اليمن. وقد أعلن الرئيس الأميركي أنه يريد المساعدة على إنهاء الحرب المتواصلة هناك منذ 2017، والتي أدت إلى ما تصفه الأمم المتحدة بأنه أسوء أزمة إنسانية في العالم. واتخذ خطوات للمساعدة على إنهاء النزاع.
والواقع أنه منذ بداية الحرب، دعمت الحكومة الأميركية السعودية. وربما يواصل بايدن مدّ السعودية بالأسلحة «الدفاعية» لأن الحوثيين يطلقون قذائف على السعودية وبايدن يريد وقف ذلك. كما قال: إن على الحوثيين أن يوقفوا أعمالهم الاستفزازية. غير أنه من غير الواضح حتى الآن كيف يعرّف بايدن الأسلحة «الهجومية» والأسلحة «الدفاعية»، علماً بأن معظم الأسلحة يمكن أن تستخدم لأي من الغرضين. وربما يفرض بايدن قيوداً على الأسلحة المتعلقة بالنزاع اليمني فقط؛ ولكن هذه النقطة ما زالت في حاجة لتوضيح.
وعلى كل حال، وانطلاقاً مما رأينا حتى الآن، نستطيع تسجيل بعض الملاحظات العامة حول مقاربة الرئيس بايدن للشرق الأوسط. وفي هذا الصدد، نستطيع أن نفترض مثلاً أن بايدن سيدعم «الاتفاق الإبراهيمي» الذي وقّعته الإمارات العربية المتحدة، وأنه سيعزّز تحالفاته مع بلدان الخليج. كما نستطيع أن نفترض أن يستخدم الدبلوماسية والمفاوضات لحل المشاكل، بدلاً من التهديدات وزيادة العقوبات الاقتصادية، على غرار ما فعل الرئيس ترامب.
وخلافاً لترامب أيضاً، سيعتمد «بايدن» على الخبراء المحترفين الذين يمتلكون خبرة في التعاطي مع مواضيع السياسة الخارجية. فالرئيس ترامب كان يعتمد في الغالب على حدسه في صنع السياسات، وكان يستشير مستشارين لم يكونوا من ذوي الخبرة دائماً، كما أنه سرعان ما كان يملّ منهم ويستبدلهم بآخرين. أما الرئيس بايدن، فيتبنى مقاربة مختلفة. إذ شكّل فريقاً من محترفي السياسة الخارجية في رصيدهم سنوات من الخبرة والتجربة في التعامل مع هاتين المشكلتين الشرق أوسطيتين. وكبار مستشاريه في السياسة الخارجية، مثل وزير الخارجية توني بلينكن، ونائبة وزير الخارجية السفيرة ويندي شرمان، ومستشاره في الأمن القومي جايك سوليفان، ومبعوثه الخاص إلى إيران روب مالي، كانوا جميعهم مستشارين رفيعي المستوى ضمن إدارة أوباما- بايدن. وكانت شرمان ومالي عضوين مهمين ضمن الفريق الأميركي الذي تفاوض حول الاتفاق النووي مع إيران؛ وبالتالي، فإنهما يعرفان وزير الخارجية «ظريف» جيداً. كما أبقى بايدن على «زلماي خليل زاد»، الأميركي-الأفغاني الذي كان سفيراً إلى أفغانستان في عهد إدارة أوباما- بايدن، كمفاوض باسم الإدارة الأميركية في المفاوضات الحساسة مع «طالبان». ولا شك أن استخدام بايدن للخبرة أمر يبعث على الارتياح والاطمئنان.
هذا ما نعرفه حتى الآن؛ وفي ما عدا ذلك يجب أن ننتظر التفاصيل.