في بقع سرية من جنوب الصحراء الكبرى، تخفي طبقات من الرمال 20 طناً من عظام الديناصورات. كانت «الزواحف الطائرة»، وما يقرب من 11 نوعاً لم يتم تحديدها بعد، كلها ذات أعناق طويلة، تجوب الصحراء عندما كانت لا تزال خضراء قبل 200 مليون عام، بحسب ما خلص إليه العلماء.
يعد هذا واحداً من أكبر مخابئ الحفريات في أفريقيا، وهو عبارة عن مقبرة تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، والتي أثارت أحلام إقامة معرض على مستوى عالمي في النيجر. إن هذا الاكتشاف النادر عرضة للنهب والكثبان المنهارة، لكن أعمال التنقيب يجب أن تنتظر، بينما تواجه الأمة موجة ثانية من فيروس كورونا، بالإضافة إلى حركات التمرد الإسلامية المتصاعدة.
قال «بوبي أدامو»، عالم الآثار في معهد البحوث في العلوم الإنسانية في العاصمة نيامي، الذي ساعد في الكشف عن هذا الكم: «هذه هي هويتنا الثقافية، لكن إنقاذ الأرواح يأتي أولاً». لطالما كانت النيجر تفتخر بثروات الديناصورات. عظام لا حصر لها تتنقل عبر الرمال. يواجه علماء الحفريات رحلة قاسية عبر أراضي تعج بقطاع الطرق للوصول إلى ما يسميه الباحثون المزيج الأكثر تنوعاً من «العمالقة المنقرضين» في القارة السمراء.
على مر التاريخ، نال المستكشفون الأجانب معظم المجد لاكتشاف هذه الهياكل العظمية. حتى اليوم، تميل ديناصورات الأمة إلى الذهاب إلى أوروبا أو أميركا الشمالية -لأسباب عملية ومحبطة. فالدول الأكثر ثراءً توفر غرفاً يمكن التحكم في درجة حرارتها لمنع العظام من الانهيار، بينما ينتشر النمل الأبيض في أكبر متحف في النيجر.
كان القادة يسعون جاهدين لإحياء تلك البنية التحتية الثقافية قبل أن يضرب الوباء العالم. فقد كانوا يريدون موطناً دائماً للاكتشافات المنتشرة في أماكن أخرى.
وقال «محمدو أومودو»، رئيس ديوان رئيس النيجر: «نحتاج إلى القيام بذلك حتى يمكن إعادة كل ما سرق منا».
وقد تعاون العلماء المحليون مع عالم الحفريات البارز في جامعة شيكاغو «بول سيرينو»، الذي أضافت بعثاته، التي استمرت عقوداً في النيجر، تسعة أنواع إلى سجل الديناصورات في العالم.
وفي إطار مشروع مشترك، تم إنشاء متحفين جديدين -أحدهما في العاصمة والآخر في منطقة أجاديس الصحراوية، واللذين سيضمان اكتشافات «سيرينو» التي يتم الاحتفاظ بها الآن في مختبره في شيكاغو، وكذلك ما يكتشفه الجيل القادم من المغامرين في أرض النيجر.
وقال سيرينو «هذا أفضل مكان لعرض العينات التي لا تقدر بثمن في أي بلد. فالكل يعرف مكان هذه العينات الشهيرة التي أصبحت كنوزاً».
لقد خصصت النيجر بالفعل الأرض لإقامة المشروع الذي تقدر تكلفته بعشرات الملايين من الدولارات والذي سيطلق عليه اسم «تراث النيجر» أو (نيجر هيريتيدج). وقال مسؤولون إن المانحين العالميين مثل البنك الدولي أبدوا اهتمامهم.
لكن الخطط توقفت عندما تفشى الوباء، والآن يوجد 20 طناً من العظام في وسط الصحراء.
لقد بدأت قصة الديناصورات في النيجر بمقبرة أخرى مخفية. ففي أوائل الستينيات، كان المنقبون من وكالة الطاقة الذرية الفرنسية ينقبون عن اليورانيوم في براري «تينيري» عندما عثروا على شيء حجري ضخم يميل لونه إلى الأزرق. وسرعان ما أكد عالم الحفريات الفرنسي «فيليب تاكيه» أن الأعمدة الفقرية هي لديناصور.
لم يكن «تاكيه» قد قام من قبل برحلة استكشافية للحفريات. ومع ذلك، في غضون أيام من انضمامه إلى المنقبين، كان ينفض الغبار عن نوع جديد.
كتب «تاكيه» عن التجربة في مذكراته عام 1994: «هناك مكان على هذه الأرض إذا خرجت فيه من سيارتك فإنك تخاطر بأن تجد نفسك فجأة وجهاً لوجه أمام ديناصور».
حصل الفريق الفرنسي على إذن الحكومة بالحفر، لكن لم تمنع أي قوانين الغرباء من أخذ ديناصورات النيجر حتى أواخر الثمانينيات. حصل بعض الهواة من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا على بعض العظام، بينما انتهى المطاف بالبعض الآخر في المتحف البريطاني في لندن.
بعد إجراء دراسات عليها في فرنسا، أعاد «تاكيه» حفريات «تينيري» إلى نيامي عاصمة النيجر، حيث بقيت في صناديق خشبية داخل المتحف الوطني.
قدم عمل «تاكيه» خارطة طريق لطاقم سيرينو. ويتبع العلماء والحراس الشخصيون المسلحون نصائح من السكان المحليين لفتح آفاق جديدة.
قام العلماء بتصنيف مئات العظام في أغاديز خلال سلسلة من الرحلات غطت ما يقرب من 1000 ميل في 2018 و2019. وقادهم رجل على دراجة بخارية إلى «سبينوصور» ضخم، أو «سحلية العمود الفقري».
استغرق حفر العينات شهوراً، وشملت العينات الديناصورات والثدييات وحتى البشر في فترات بيولوجية مختلفة. وصنع فريق «سيرينو» أغطية مؤقتة من الجبس لكل هيكل عظمي. وكانوا ينشرون الرمال فوقها لإخفائها.
من المعتاد أن يقوم علماء الحفريات بإعادة دفن مواقع الحفر قبل العودة مع الحمّالين. لكن الوباء أوقف هذه العملية لمدة عام على الأقل. أرسلت النيجر جنوداً لحراسة المنطقة من النهب، حيث إنه من المعروف أن قطاع الطرق يجوبون تلك المناطق، بينما تنشط الجماعات المتطرفة عادة على بعد مئات الأميال جنوباً. كما يراقب البدو أيضاً الديناصورات، ويبعثون برسائل بكل التحديثات إلى سيرينو بشكل دوري. حتى الآن، لم يبلغ أحد عن سرقة أو حدوث انهيار رملي.
يمثل الحفاظ على الديناصورات عبئاً ثقيلاً على واحدة من أفقر البلدان على وجه الأرض. ويجعل الوباء الأمر أكثر صعوبة، حيث يواجه القادة أموراً أكثر إلحاحاً. فقد سجلت النيجر مستويات قياسية من حالات الإصابة والوفيات بفيروس كورونا خلال الشهرين الماضيين.
وخلال نفس الفترة، تصاعدت هجمات الجماعات المتطرفة. ونفذ مقاتلو «داعش» أعنف هجوم منذ سنوات في 2 يناير وقتلوا ما لا يقل عن 100 شخص في قريتين في الجنوب الغربي.
تضاعف عدد النيجيريين الذين لقوا حتفهم في مثل هذا العنف من عام 2019 إلى عام 2020. ومنذ أن غزا المتطرفون مالي المجاورة قبل عقد من الزمان، استغلت الجماعات الموالية لـ«القاعدة» و«داعش» الشعور باليأس لتنمية صفوفها في جميع أنحاء غرب أفريقيا. قال «مولاي حسن»، الذي يقود برنامج التطرف العنيف في المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية والأمنية في نيامي: «نحتاج إلى تعليم وخدمات ووظائف تدعم الشباب. بذلك يمكن أن تمثل السياحة والديناصورات عناصر رائعة بالنسبة للنيجر».
في المتحف الوطني في نيامي، حيث توجد أجزاء من الاكتشافات المبكرة لـ«تاكيه» على الأرض داخل صناديق تحمل علامة «قابل للكسر». وبجانبها توجد أدوات التنظيف. أما الجدران، فهي محفورة بشقوق النمل الأبيض. وقال «هالدو ماماني»، مدير المتحف: «لا يمكننا الاحتفاظ بها على هذا النحو».
كان دخل المتحف ذات يوم يبلغ 370 دولار يومياً. أما الآن فلا يتجاوز الربح 20 دولاراً في يوم السبت. قال «ماماني»: «إن فيروس كورونا أضر بنا بشدة». مؤخراً، بث المدير مخاوفه إلى عالم الآثار «أدامو»، حيث تطرق الحديث إلى رحلات البحث الشهيرة التي قام بها «تاكيه» وكيف أنها اجتذبت موجة من المستكشفين من الخارج.
كما تحدث «ماماني» و«أمادو» عن استعادة إرثهم الوطني. ستأتي اللقاحات. وسيتم تخفيف قيود السفر. إنهما يأملان أن يتلاشى فيروس كورونا. وقال أدامو «الديناصورات أغلى من اليورانيوم أو النفط أو أي شيء من هذا القبيل. إنها تنتمي إلى هنا».
دانييل باكيت*
*مديرة مكتب «واشنطن بوست» في أفريقيا الوسط
* ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»