قدمت قناة «سكاي نيوز عربية» ملفاً خاصاً بعنوان (سنوات العرب) تناول مرور العقد الأول على الثورات العربية في سوريا واليمن ومصر وليبيا. الفكرة وإنْ بدت تقليدية وتناولتها عديد من القنوات الإخبارية العربية والعالمية، غير أن ما قُدّم يمكن أن يُصنف بأنه التصور لما سيكون عليه الإعلام الإخباري المرئي مستقبلاً، وإنْ كانت هذه واحدة من أهم المحاولات الإعلامية الشجاعة في ظل التزاحم والمنافسة المحتدمة بين القنوات الإخبارية المتخصصة، والتي غرقت في الإثارة الإعلامية والخبرية، على حساب المهنية الصحفية، التي لها قواعدها، وقيمها الأصيلة، وهي ما تم استحضاره في هذه السلسلة التوثيقية التحليلية لمشاهد سياسية معقدة من التاريخ العربي.
واحدة من المهام الإعلامية، التي يخوضها الإعلام المعاصر هو توظيف التكنولوجيا الرقمية في الإعلام المرئي بما يحافظ على القيمة الخبرية، ويعطي البعد البصري الكامل الذي أصبح متوافراً، وبات مطلوباً من شريحة واسعة من المشاهدين، الصورة لم تعد تلك التقليدية التي يلتقطها المراسلون حول العالم ويتم التعليق عليها من الخبراء والمختصين سواء في الشؤون السياسية أو الاقتصادية أو الرياضية أو غيرها من القصص الخبرية، بل هي نمطية تتطلب شكلاً يتم صناعته عبر استخدام تقنيات الواقع المعزز (الجرافيك) لمواكبة الحدث وتقريبه بالقدر الممكن، وهو مجال تتنافس فيه كافة وسائل الإعلام البصرية، من دون استثناء، ويبقى الجزء الأهم للنجاح ليس في الإبهار البصري فقط، بل في توظيف القصة الخبرية بالطرق الصحفية المهنية.
في السنوات القادمة، لن يكون هناك مذيع أو مذيعة أخبار يظهرون على الشاشة لتقديم خبر من دون استخدام الواقع المعزز، وهو ما سيتطلب مستقبلاً أن يكون إنتاج الستين ثانية بحاجة لصحفي متخصص في الكتابة، ومنتج يمتلك الخيال لرسم نمطية الحركة التلفزيونية، التي أيضاً سيكون على المذيع تأديتها كجزء من إنتاج خبر لا تتجاوز مدته دقيقة واحدة، مما يعني أن تكاملاً تقنياً وتكنيكياً عالياً يجب توظيفه.
المهنية الإعلامية هي دوماً على المحك، والتنافسية لا تعني البحث عن إثارة الجماهير والمشاهدين بافتعال الأخبار المضللة بل بمقدار ما يمكن من احترام ذهنية المواطن العربي واحترام عقليته بتقديم الخبر والتحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الطبي بطريقة موضوعية باستقطاب أفضل الخبر المتخصصين في مجالهم فهذا جزء من المهنية الإعلامية بل هي ركن من الأركان التي أسقطتها بعض وسائل الإعلام في سياق التوظيف الإعلامي لخدمة الأجندات المختلفة، أكانت مؤدلجة أو غير ذلك، وكما ستظل الصحافة التقليدية مصدراً أساسياً لصناعة الخبر وتقديمه وتحليله، فأن هذا سيعني كذلك أن الصحفي عليه امتلاك الأدوات التقنية الأكثر مرونة في إنتاج الخبر وكتابة التقارير، وحتى المقالات التي لن يكون لها مكان على الصحف الورقية، بل سيكون لها شكلها المختلف على الشاشات والمواقع الإلكترونية.
في سلسلة «سنوات العرب» تم الجمع بين الصحافة الاستقصائية والتحليل السياسي، وهي النمطية القادمة لكافة التعاطي الخبري خلال العقود القادمة، هذه نوعية ستعتمد على تشكيل فرق من الصحفيين لإنتاج هكذا نوعية ستلغي مع مرور الوقت الأفلام الوثائقية التي سادت منذ ستينيات القرن العشرين المنصرم ثم دخل التحليل الخبري والآن دخلنا مرحلة جديدة تماماً ستتطلب أكثر بذلاً وتأهيلاً للكوادر، التي عليها أن تقدم أعمالاً صحفية مرئية بمستويات تقنية وفنية ذات جودة عالية، فالتنافسية ستبقى محصورة في الجودة.
القيم والمبادئ الإعلامية تظل ركناً أساسياً، حتى وإنْ تزاحمت المنافسة، فالتنافس سيؤدي لإنتاج أفضل، وستبقى القيم والمبادئ المعايير التي سيحترمها المشاهد العربي الذي بدوره سيتحول لمؤثر مباشر من خلال تقنيات الإعلام التفاعلي، وهذا ما تقدمه مؤسسة «سكاي نيوز عربية» من مهمة تنويرية بالإضافة للخدمات الإخبارية عبر مختلف منصاتها.
* كاتب يمني