الاستراتيجية الإعلامية لدولة الإمارات التي تم إطلاقها في شهر يناير الماضي تضمنت العديد من الأهداف الطموحة، من بينها بناء الشراكات مع المؤسسات الإعلامية العالمية، وإدارة سمعة الدولة وإنجازاتها إعلامياً على الصعيدين المحلي والدولي، علاوة على توفير وخلق بيئة إعلامية رقمية تواكب التطورات السريعة وتتفاعل مع العالم، وهي أهداف تتطلب كوادر إعلامية مؤهلة تمتلك الخبرة في صنع محتوى إعلامي متميز، والقدرة على مواكبة طموحات الإمارات المستقبلية، والانفتاح بفعالية على الإعلام الدولي، وبالشكل الذي يسهم في تعزيز مصالح الإمارات العليا في الخارج.
ولا شك في أن الكوادر الإعلامية المؤهلة والمبدعة تشكل حجر الأساس في بناء منظومة إعلامية فاعلة ومؤثرة، وخاصة بالنسبة لدولة كالإمارات باتت حاضرة ومتواجدة في الإعلام الدولي، كنموذج للنجاح، ومنارة للأمل وعنوان للإنجاز والتفوق، خاصة بعد أن أصبحت واحدة من ضمن خمس دول تصل إلى الكوكب الأحمر في إنجاز نوعي غير مسبوق، عربياً وإسلامياً، وهذا النموذج في حاجة إلى إعلاميين مبدعين للتعبير عنه والترويج له، باعتباره لا ينفصل عن النهضة الحضارية التي تشهدها الإمارات في المجالات كافة.
إن التحدي الذي يواجه المؤسسات الإعلامية الوطنية لم يعد يرتبط بمواكبة الثورة الرقمية المصاحبة للإعلام الجديد، وإنما في اكتشاف واستقطاب الكفاءات والخبرات الإعلامية المبدعة التي بمقدورها الانتقال بالخطاب الإعلامي من المستوى المحلي إلى الصعيد الدولي، خاصة أن العالم يعيش الآن ما يطلق عليه ظاهرة «الصحفي المواطن» أو«الإعلامي المنفرد»، الذي يستطيع من خلال وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي (يوتيوب، أنستجرام، فيسبوك، تويتر) أن يكون أكثر تأثيراً وفاعلية من الإعلامي التقليدي الذي يمتلك وظيفة في أحد المؤسسات الإعلامية دون أن يضيف إليها أي إبداع أو ابتكار.
لقد شهدت السنوات الماضية ظهور العديد من قادة الرأي المؤثرين في وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، لهم منابرهم التي تحظى بالمتابعة من الملايين في العالم العربي، والسؤال: هل تستطيع المؤسسات الإعلامية الوطنية استقطاب أمثال هؤلاء الفاعلين والمؤثرين بدلاً من التمسك بأولئك الإعلاميين الذين يعملون بمنطق«الموظفين التقليديين»، ولا يضيفون أي جديد للمؤسسات التي يعملون بها؟ هذا التطور من المهم أخذه في الاعتبار من جانب المؤسسات الإعلامية إذا أرادت مواكبة ثورة الإعلام الجديد في بعدها المتعلق بالمؤثرين والفاعلين الجدد في وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي، ربما قد يكون هؤلاء غير متخصصين أو خريجي كليات الإعلام والاتصال الجماهيري، لكنهم في المقابل يمتلكون مهارات التواصل والتفاعل والانفتاح على العالم بلغته وأدواته الجديدة، وهذا ما يحتاجه إعلامنا في المرحلة المقبلة، فهؤلاء المؤثرون يمكن استثمارهم بفاعلية من جانب المؤسسات الإعلامية في الترويج لقصة نجاح الإمارات عالمياً وتعزيز قوتها الناعمة.
لم تعد قوة وفاعلية الإعلام في أي دولة تقاس فقط بإمكانياته المادية والتقنية، وإنما بالأساس بخبراته البشرية وبكوادره الإعلامية المبدعة القادرة على إيصال رسالته إلى الخارج، والتعبير عن مواقف الدولة، والدفاع عن مصالحها بكفاءة عالية، وهذا ما أدركته دولة الإمارات منذ سنوات، وتعمل عليه من خلال سلسلة من المبادرات التي تستهدف إعداد قاعدة عريضة من الكوادر الإعلامية المبدعة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن «أكاديمية الإعلام الجديد» التي تم افتتاحها في شهر يونيو 2020، تهتم بتأهيل وبناء قاعدة كبيرة من الكوادر المتخصصة القادرة على قيادة الإعلام الرقمي، كما أن «البرنامج الإعلامي الوطني للشباب»، الذي تم إطلاقه عام 2017 ضمن الدورة الرابعة لمنتدى الإعلام الإماراتي يعمل على اكتشاف أكبر عدد ممكن من المواهب الإعلامية المحلية وصقلها، وإعداد جيل قيادي من الإعلاميين القادرين على تطوير المشهد الإعلامي الإماراتي، ووضع تصورات مستقبلية لهذا القطاع الحيوي، وغيرها العديد من الجهود والخطوات التي تشير إلى أن الإعلام الإماراتي على الطريق الصحيح، وبالشكل الذي يواكب أهداف وتطلعات الإمارات خلال الفترة المقبلة.
وإذا كان الإعلام الوطني شريكاً رئيسياً في مسيرة التنمية والتطور التي شهدتها دولة الإمارات خلال الخمسين عاماً الماضية، فإنه أيضاً سيكون أهم المرتكزات للانطلاق نحو رحلة الخمسين عاماً المقبلة، خاصة أن هناك إدراكاً من جانب القائمين على المؤسسات الإعلامية بطبيعة الدور الذي ينبغي أن يقوم به الإعلام الوطني في المرحلة المقبلة، سواء على صعيد مواكبة مسيرة الإنجازات التي تشهدها الإمارات، أو في نقل قصة نجاحها إلى الخارج، باعتبارها نموذج يحتذى في البناء والتنمية والإنجاز. في الوقت ذاته، يتزايد الرهان على الجيل الجديد من الكوادر الإعلامية في قيادة الإعلام الإماراتي والارتقاء بمضمونه ومحتواه، وتعزيز تنافسيته على الصعيد الدولي.
*إعلامي وكاتب إماراتي