إن أي محلل متتبع للسياسات الخارجية للحزب «الديمقراطي» ولحملة بايدن لن يستغرب كثيراً من القرارات التي اتخذتها إدارة بايدن بتجميد مبيعات الأسلحة الأميركية إلى السعودية وتعليق بيع F-35 إلى الإمارات، التي وافق عليها الرئيس السابق دونالد ترامب. فكان من المعروف أن أكبر تحدٍ يواجه دول الخليج، في نتائج الانتخابات الأميركية، هو غياب الاتفاق بين الحزبين في الولايات المتحدة الأميركية، فنجد كل حزب له توجه يختلف عن الآخر على حساب أمن واستقرار المنطقة. لكن من غير المتوقع هو الهرولة السريعة للإدارة الجديدة لعودة المفاوضات مع إيران، في الوقت الذي تجمد به بيع أسلحة لحلفاء أميركا.
إن أكبر دليل يثبت صحة المخاوف من أن تكون السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الجديدة عبارة عن ولاية ثالثة لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما هو تعيينه لنفس المسؤولين، فمثلاً وزير الخارجية، أنتوني بلينكين، كان نائب وزير الخارجية في عهد أوباما، وكذلك المبعوث الأميركي الخاص للشأن الإيراني، روبرت مالي، كان عضواً ضمن فريق أوباما الذي تفاوض على الاتفاق النووي مع إيران عام 2015. فكثير من المحللين يعتبرون تعيين «مالي» من بين أسوأ الإشارات ضمن خيارات سيئة عديدة اتخذتها إدارة بايدن، فتعيين شخص مثل مالي متعاطف مع النظام الإيراني يعطي انطباعاً أن التفاوض سيكون سيئاً، وأن أميركا ستقدم تنازلات، وقد تعود إلى اتفاق لا يجدي نفعاً، وبالتالي نجد إدارة بايدن خلقت واقعاً رجع الأوضاع إلى الخلف.
ناقش «دينيس روس»، وهو دبلوماسي ومؤلف أميركي، في ندوة عبر الإنترنت قام بتنسيقها المركز البريطاني- الإسرائيلي للبحوث والاتصالات (BICOM)، السياسة الخارجية لإدارة بايدن المتعلقة بالاتفاق النووي والتي كان بها الكثير من التناقضات. فقد ذكر أن إدارة بايدن لن تسرع في الإقدام على العودة للمفاوضات النووية، بل إن الإيرانيين من سيحاولون ذلك، لكن الذي حدث هو العكس أن إدارة بايدن هي التي هرولت للمفاوضات، وهذا ما جعل المسؤولين الإيرانيين في موقف أقوى ورفضوا شرط الإدارة بالعودة إلى الامتثال قبل رفع العقوبات. كما أضاف أن الدافع وراء الامتثال هو أن لدى إيران مئات المليارات من الدولارات في الحسابات الأميركية مجمدة، ويمكن فتح القليل من هذه الحسابات لأن النظام بحاجتها بسبب التضخم والمشاكل الاقتصادية المحلية. لكننا نعلم أن الأموال التي مُنحت للنظام الإيراني خلال فترة أوباما لم تُستثمر محلياً، بل تم تمويلها في حروب بالوكالة والمزيد من الهيمنة في المنطقة، فكيف يُتوقع أن يتم استخدامها محلياً الآن؟
ومن هنا تكمن المخاوف من احتمال انتهاج الإدارة الأميركية الجديدة مسار إدارة أوباما. لكن الذي تغير هو طبيعة التحالفات في المنطقة، خاصة بعد الاتفاقات الإبراهيمية.
* باحثة سعودية في الإعلام السياسي