يوماً بعد يوم نتأكد أن العالم ما بعد جائحة كورونا، ليس كما كان قبلها، إذ تكاد تكون المرة الأولى التي تواجه فيها دول العالم خطراً واحداً مشتركاً، وتتعاون العديد منها لإيجاد حل عالمي له. ومن أهم الدروس المستفادة من تلك الجائحة، النظرة المستقبلية التي بدأت بعض الدول وضعها لمجتمعاتها خلال العقود القادمة وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة، استناداً إلى معطيات جديدة بالكامل برزت أثناء الجائحة. ومن أبرز المجالات التي سيطالها التغيير والتطوير في الإمارات، قطاع التعليم، مع الأخذ في الاعتبار التحديات الراهنة، والفرص والمخاطر المستقبلية، وذلك لضمان تطبيق أعلى معايير الجودة ضمن النظام التعليمي.
ومن أهم المراحل التعليمية التي يجب أن نوليها اهتماماً خاصاً مرحلة التعليم العالي، إذ تٌشكل مخرجاتها من المواطنين مدخلات سوق العمل خلال العقود الخمسة القادمة. ولعل البعض منا قد لاحظ التغيرات، التي حدثت في توجهات الطلبة المواطنين لاختيار التخصصات الجامعية منذ قيام الدولة عام 1971. فعلى سبيل المثال، انتشر في وقت ما توجه العديد من المواطنين لدراسة بعض التخصصات، ونذكر منها تخصص: الإدارة، ثم تخصص الموارد البشرية، ثم تخصص تقنية المعلومات، فتخصص طب الأسنان، ثم إدارة الطوارئ والأزمات والذكاء الاصطناعي، ومؤخراً ينتشر الإقبال على تخصص «الأمن السيبراني». وذلك في وقت يوجد فيه ما يناهز 74 مؤسسة تعليم عالٍ حكومية وخاصة في الدولة تطرح ما يزيد على 1200 برنامج أكاديمي معتمد. 
وتعكس تلك التوجهات الرغبة القوية لدى شباب الوطن للانخراط في تلك التخصصات الجامعية لخدمة الوطن، خاصة أن الشائع أن الحاصل عليها يجد الوظيفة المناسبة في أسرع وقت، ولكن ما حدث كان عكس التوقعات. فقد تخرج الآلاف من مواطني الدولة في تخصص جامعي واحد، ونجح قلة منهم فقط في الحصول على الوظيفة المناسبة. وذلك الأمر أدى إلى بقاء العديد من المواطنين عاطلين عن عمل لأعوام طويلة وغير قادرين على الالتحاق بالقطاع الحكومي أو القطاع الخاص لعدم وجود الشاغر الوظيفي، إضافة إلى موافقة البعض منهم على العمل في وظيفة لا تتناسب مطلقاً مع ما درسه لأعوام طويلة في الجامعة. ومع كامل يقيني بأن اختيار التخصص الجامعي هو قرار شخصي يعود برمته إلى المواطن، إلا أن هذا القرار يتأثر في واقع الأمر بالعديد من العوامل، ومنها الميول الشخصية وقدرات الفرد ومدى سهولة أو صعوبة التخصص ونسبة الثانوية العامة، ولكن من أبرز تلك العوامل علاقة التخصص بسوق العمل المحلية. وهنا تكمن المعضلة.
فالملاحظ أن العديد من المواطنين، وقبل تسجيلهم في مؤسسات التعليم العالي، لا تتوفر لديهم المعلومات والإحصائيات الرسمية المحدثة بشكل دوري حول احتياجات سوق العمل وخطط وزارتي التربية والتعليم والموارد البشرية والتوطين في سد تلك الاحتياجات للأعوام الخمسة القادمة على أقل تقدير. وبالتالي، يتجه هؤلاء المواطنون إلى التسجيل في تخصصات ينتشر الحديث عنها في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، وفي المجتمع بشكل عام، الأمر الذي يؤدي إلى وجود فائض كبير في أعداد المواطنين الحاصلين على شهادة جامعية في تخصص واحد لا يستطيع سوق العمل استيعابهم بالكامل.
وبالتالي، تبرز الحاجة الماسة في مرحلة ما بعد «كورونا» إلى تخطيط مخرجات التعليم العالي من المواطنين، وربطها باحتياجات سوق العمل في كافة التخصصات بأسلوب يضمن تسجيل الطالب في تخصص يتم التخطيط لاستيعابه في سوق العمل بعد أعوام الدراسة الجامعية، حتى لا تستمر معضلة التخصص الواحد الشائع والفائض من الخريجين المواطنين بلا وظيفة مناسبة.