استعمل المسلمون كلمة «طريق»، وغالباً في صيغة الجمع «طرق»، للدلالة على المنهج والمناهج في «طرق النظر»، بالرغم من استعمال القرآن الكريم للفظ «منهاج» وعلي بن أبي طالب للفظ «منهج» وابن رشد للفظ «مناهج».
ظهر المنهج عند المتكلمين في نظرية العلم، المقدمة الأولى في علم الكلام، إجابة على السؤال: كيف أعلم؟ وهي مقدمة تستبعد الشك والظن والوهم والجهل والتقليد، ثم تستبقي العلم كمطابق للمعلوم. والعلم بديهي ضروري أو استدلالي نظري. والطريق إليه النظر، فالنظر الصحيح يفيد العلم. والنظر واجب بالسمع والعقل، بل هو أول الواجبات. وطرق النظر: التعريف، والاستدلال، والقياس، وقياس الغائب على الشاهد أو التمثيل. والمقدمات قد تكون قطعية أو ظنية. والأدلة نقلية أو عقلية. والدليل النقلي يعتمد على اللغة وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والظاهر والمؤول، والمجمل والمبين. وقد ظهر هذا المنهج بوضوح في مشكلة العقل والنقل بين المعتزلة والأشاعرة. فالعقل أساس النقل عند المعتزلة، لذلك وجب التأويل في حالة التعارض حفاظا على التنزيه. والنقل أساس العقل عند الأشاعرة، ولو أدى ذلك إلى التشبيه. وفي كلتا الحالتين المنهج الكلامي منهج دفاعي، يعقل الإيمان ولا يتساءل عنه. كل فرقة تجادل في فهمها وتأويلها للعقائد دفاعا عن نفسها وهجوما على الفرق الأخرى. فتحول الجدل إلى مقارعة للخصوم من أجل الانتصار عليهم وإثبات الفرقة الناجية في مقابل الفرق الضالة. لذلك ذم الفقهاء الكلام والمتكلمين، وأدانوا الجدل والمجادلين اعتماداً على موقف القرآن من الجدل: «وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً».
ثم حوّل الفلاسفة الجدل إلى برهان، واستعملوا المنطق طريقاً إلى اليقين، وأصبحت المقولات والعبارة والقياس مقدمات إلى البرهان. فإذا ما نقص البرهان ظهر الجدل والسفسطة والخطابة والشعر. وقد أحكم الفلاسفة المنهج العقلي البرهاني وعرّف ابن رشد الفلسفة بأنها النظر في الموجودات بحسب ما تقتضيه طبيعة البرهان. ولم تعد الفلسفة بحاجة إلى تبرير الدين، كما كان الحال في علم الكلام، لأن الفلسفة والدين حقيقة واحدة وغاية واحدة وإن اختلف الطريق، الفلسفة عن طريق العقل، والدين عن طريق الوحي كما أوضح الكندي. وفي حالة التعارض فإن التأويل يدرأ هذا التعارض.
ثم حدث رد فعل على هذه العقلانية الشاملة، الجدلية عند المتكلمين والبرهانية عند الفلاسفة، من خلال منهج الذوق عند الصوفية. الذوق في مقابل النظر، والإشراق في مقابل الاستدلال، والقلب في مواجهة العقل، والبصيرة في مواجهة البصر. فالمعرفة مستويات؛ المعرفة الحسية من خلال الحواس، وتعطي ظاهر الموجودات. ثم المعرفة العقلية من خلال العقل وتعطي صورة الموجودات. والمعرفة الكشفية من خلال القلب، وتعطي حقيقة الموجودات. الأولى علم اليقين، والثانية حق اليقين، والثالثة عين اليقين. وهو منهج عملي قبل أن يكون نظرياً. يقوم أولا على الرياضات والمجاهدات قبل أن يكشف الله الحجاب. يبدأ المرأ بالطريقة كي يصل إلى الحقيقة. والناس على مراتب في العلم: العامة ولهم المحسوسات، والخاصة ولهم المعقولات، وخاصة الخاصة ولهم الهوامع والطوالع واللوامع. ويتكون الطريق من الأحوال والمقامات. فالأحوال تحصل من عين الجود، والمقامات ببذل المجهود. الأحوال علامات على الطريق تنبئ السالك بعبور المرحلة. وهي علامات مزدوجة بين السلب والإيجاب: الخوف والرجاء، الهيبة والأنس، السكر والصحو، الفقد والوجد. السلب عندما يعبر إلى المرحلة التالية، والإيجاب بعد أن يتعود عليها. والمقامات مثل التوبة والشكر والفقر والزهد والرضا والصبر والتوكل والورع والفناء. المنهج الصوفي إذن منهج صاعد، طريق إلى الله، وهو إسقاط الأوصاف الدنية، والتحلي بالأخلاق الإلهية.