سوف تظهر الأرقام الشاملة والنهائية للفقر في ظل جائحة «كوفيد-19» بداية من العام القادم، لكن التقارير الدولية تشير إلى زيادة في معدلات الفقر وأعداد الفقراء بسبب الجائحة، وهو أمر متوقع بطبيعة الحال، وكان العقد الماضي (2010–2019) قد شهد تراجعاً ملموساً ومشجعاً في معدلات ومؤشرات الفقر في أنحاء واسعة من العالم، بعدما أمكن استيعاب الأزمة المالية العالمية بسرعة قياسية، لكن جائحة كوفيد-19 تؤدي كما هو واضح إلى أضرار بالغة في اقتصاديات الغذاء والدواء والصحة والتعليم والنقل، ما يفضي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتكاليف العلاج والأدوية وفقدان كثير من الأعمال والمصالح، وخلال ذلك تنزلق إلى الفقر قطاعات واسعة من الناس وتواجه دول كثيرة تحديات في تسيير وتوفير الاحتياجات والخدمات الأساسية، كما أن المؤسسات التعليمية والصحية تواجه تحديات كبرى وعاصفة!
يتحدث البنك الدولي عن «الفقراء الجدد»، ويقصد بذلك الفئات والقطاعات التي تضررت وانزلقت إلى الفقر بسبب «كوفيد-19»، وهي المناطق الحضرية المزدحمة والمتأثرة مباشرة بالقيود والإغلاقات في أنحاء واسعة من العالم، مثل عمال المياومة والمقاهي والمطاعم والنقل والسياحة والبيع بالتجزئة، وكذلك قطاع الزراعة والمنظومة القائمة حوله، مثل النقل والإمداد والتسويق والصناعات الغذائية. وكانت الدول متوسطة الدخل الأكثر تضرراً والأقل قدرة على مواجهة الأزمة وتعويض المتضررين أو مساعدتهم في مواجهة الأزمة. وفي المشهد الجغرافي فإن دول جنوب آسيا وجنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا هي الأكثر تضرراً، حيث تعيش النسبة الأكبر من فقراء العالم، كما أن المنطقة عرضة لأضرار ولتحديات كبيرة بسبب التغير المناخي.
وأدت الجائحة أيضاً إلى فراغ وفوضى في السلطة والأمن في أنحاء من العالم، ما أدى إلى وقوع صراعات مسلحة جديدة، وربما تستمر متواليات الجائحة وتأثيراتها حتى عام 2030. ويتوقع البنك الدولي أن 150 مليون شخص سوف ينضافون إلى قائمة الفقراء بحلول عام 2021.
وقد تضررت أيضاً شركات عالمية واقتصاديات غنية، وحتى شركات كبرى وقوية تراجعت مبيعاتها وخدماتها وسوف تضطر إلى تصفية أعمالها نهائياً.
وعلى نحو عام فإن منظمة العمل الدولية تقدر انخفاض دخل العمالة في العالم بنحو 11 في المائة أو 3.5 تريليون دولار في الأشهر التعسة الأولى من عام 2020.
ولعل المؤسسات الحكومية والاقتصادية العالمية لم ترصد بعد على نحو كافي التغيرات التي أصابت الأفراد والأعمال والأسر والفئات الاجتماعية والاقتصادية، حيث لوحظ، على سبيل المثال، اختلاف كبير بل وتناقض في تحديد الفئات المتضررة، ويعتقد أنه جرى في بعض البلدان تحيز في هذه التقديرات ومن ثم تقديم المساعدات والتعويضات. وبسبب هذه السياسات فقد ازداد الأغنياء غنًى والفقراء فقراً وتهميشاً، لأن التسهيلات والمساعدات ذهب معظمها إلى الأغنياء وليس للفقراء والمتضررين. كما أن سياسات التكيف والاستجابة تعرضت لشكوك واسعة في جدواها وأغراضها، إذ يعتقد كثير من المراقبين أن الوباء استُخدم غطاءً لأجل سياسات وقرارات لا تتصل بمواجهة المرض، وأن هذه السياسات زادت بعض الفئات ثراءً ونفوذاً وأضرت بفئات أخرى من غير أن تحد من انتشار المرض.
والحال أن عمليات تقدير الأضرار تحتاج إلى مسوحات وبيانات جديدة إضافة بالطبع إلى العدالة وحسن النية، لكن يظل في مقدورنا جميعاً، دولا ومجتمعات وشركات وأفراداً، أن نواجه الأزمة ونخفف منها، ومن ذلك البدء بعمليات شاملة لفهم التحديات والتغيرات التي صاحبت الوباء وبناءَ وعي جديد للتكيف والاستجابة. ولا يقتصر هذا الوعي على الإجراءات والتدابير الوقائية من المرض، بل يشمل أيضاً المعارف والمهارات الجديدة والضرورية لجعل التعليم والعمل عن بعد قادرين على توفير الموارد والأعمال والمتطلبات كما كانت قبل المرض وربما أفضل.