الأزمات والمحن التي تتعرض لها البشرية باستمرار عبر الزمن هي اختبارات للأفراد والشعوب والدول والقادة، ففي أيام الهناء والرخاء، يستطيع الناس الإدّعاء بما يشاؤون، وقد تكون الصورة غير صحيحة وغير حقيقية، ولكن بالامتحان تظهر حقائق الأوطان الراسخة من الهشة، والدول القوية من الضعيفة، والقادة العظماء من الضعفاء، فالأوطان سليمة وقوية بقادتها النابهين، وتخطيطهم المحكم المتين الذي أعدوه من قبل، ويسقط غيرها في التخبط والفوضى والضياع، وهذا الذي كان يغير مجرى التاريخ البشري على الدوام.
وإن هذا الوطن، دولة الإمارات العربية المتحدة، حباها الله تعالى قيادةً حكيمة برؤية واعية سديدة ونظرة مستقبلية مشرفة، بدأت بالقائد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، حين كان يَنظر إلى الأفق البعيد، فيرى أمامه مواطناً آمناً كريماً، ووطناً مستقراً مزدهراً، ودولة نشيطة فعالة تعمل في كل ميدان من ميادين الحياة، لتوازي أحسن الدول وتصنع أعظم الإنجازات.
وإن هذي المعاني النبيلة قد غرسها القائد المؤسس «طيب الله ثراه» في أبنائه البررة، وها نحن اليوم نراها قوية مشرقة فاخرة في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة «حفظه الله»، وفي أعماله المجيدة، وأقواله السديدة. فعندما وقف قبل سنوات أمام القيادات العالمية يخاطب العالم قائلاً: إننا سنحتفل بآخر برميل للنفط، فقد كان «حفظه الله» يؤكد بذلك لكل دول العالم وقادته أن مسيرتنا ومسيرة وطننا ليست ليوم واحد أو شهر أو سنة، بل إن عملنا وتخطيطنا لمستقبل هذا الوطن لقرون عديدة مديدة تبدأ بخمسمائة عام ومائة عام ثم تنطلق.
هذا يعني ووضع الخطط والبرامج قصيرة المدى ومتوسطة وبعيدة المدى، وبعضها يُبنى على بعض لبلوغ الهدف الرفيع والقصد السامي، وهو صدارة هذا الوطن عالمياً، وبهذه الرؤية البعيدة والتخطيط المحكم لم يتوقف هذا المشروع في الدولة، أو يتعثر عمل، أو يتأخر إنجازه، وذلك لحسن اختيار القائد وصلابة عزيمته، وقد جعل بناء هذا الوطن حلقات متواصلة يأخذ بعضها من بعض بتتابع وانتظام.
وما يمر به العالم اليوم من أزمة صحية – كورونا – قد كشف كثيراً مما تستره الدول وتخفيه وأظهرت قوة قياداتها وضعفها، ووقع الناس في أرجاء العالم في حيرة ودهشة، وظهرت أشياء كانت في الماضي محل شك، وهنا وقف القائد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة «حفظه الله»، ليخاطب الوطن كله أولاً، والعالم كله ثانياً، ويقول لهم: إننا سنعبر هذه الأزمة بسلام، لأننا أعددنا لهذه الأمور عدتها وهيئنا لها حاجاتها ومتطلباتها، فيا أبناء الوطن لا ترتاعوا ولا تخافوا، وإذا اتجه الناس إلى إدخار الطعام فلا تقلقوا (لا تشيلون هم)، وإذا بحث غيركم عن الدواء فاطمئنوا، فالغذاء والدواء متوفران في هذا الوطن لمدة طويلة بأعلى المعايير وأرقى الأنواع، إنها فكرة قائد قدّ عرف التاريخ، تاريخ البشرية وتقلبات الحياة، وما يمكن أن يحدث في أي لحظة داخل الوطن وخارجه، ولهذا وضع البرامج للاحتمالات كلها.
لقد حدّث القائد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان «حفظه الله» أبناءَ الوطن والمقيمين عن الغِذاء والدواء كسلعتين استراتيجيتين عاجلتين، ولكنه «حفظه الله» لم يغفل عن السلع الأخرى حتى السلع الكمالية والرفاهية، فإنها متوفرة وموجودة دون نقص أو غياب، إنه «حفظه الله» ذو رؤية شاملة وفكر وقّاد بنّاء وإدارة صلبة جعلت المواطن والوطن مدار تفكيره وغاية عمله وتدبيره لأمد طويل للأحفاد ومن هم بعد الأحفاد، إنه يرى المستقبل القريب والبعيد، فيحدد مسار أبناء هذا الوطن، ويرى سير هذا الوطن في محيطه وموقعه العالمي، وهذا هو تفكير القادة العظماء الذين يصنعون تاريخ أوطانهم بجدارة، ويوجهون التاريخ الإنساني باقتدار.
الكلمة السديدة التي وجهها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد «حفظه الله» يوم 16 مارس 2020، ألقت السكينة والطمأنينة في قلوب أبناء الوطن إيماناً منهم بحكمته القيادية، وما عوّدهم عليه من صدق في الكلمة، وحكمة في الفكر، وسداد في النظرة، مآلات الخير التي تعودُ عليهم عاجلاً أو آجلاً، ومن هنا الحب والوفاء والثقة التي يتمتع بها الشيخ محمد بن زايد لدى كل منْ في هذا الوطن، وتحظى بها دولة الإمارات العربية المتحدة.
الأزمة العالمية المتمثلة في وباء كورونا ستمر قريباً بإذن الله تعالى وتنجلي، ولكن أثرها على الشعوب والأوطان والدول والقادة سيمتد طويلاً، وسيخرج هذا الوطن فخوراً بالتدبير الحكيم والتصرف العقلاني السليم للقائد الشيخ محمد بن زايد «حفظه الله»، وقد أيقن الناس وخاصة أبناء هذا الوطن أن الشيخ محمد بن زايد قد جعل مستقبل الوطن الآمن المزدهر وسعادة المواطنين لبّ تفكيره ما حاد عن ذلك قليلاً أو كثيراً، وأن هذه الأزمات عابرة وبسيطة في طريق ممتد طويل يصل بهذا الوطن إلى الرفعة والسؤدد في كافة المجالات.
لله درك يا ابن زايد كم عَلَتْ من فكرك الأوطان فيها منار
أهديت للأجيال عزّاً باذخاً فالمكرمات من الكبار كبارُ
المستشار الدكتور فاروق محمود حمادة*
*المستشار الديني بديوان ولي عهد أبوظبي.