ثارت ثائرة قادة سياسيين وزعماء دينيين وحملة أقلام ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واعتبروا تصريحه الأخير هجوماً على دين الله، حين قال إن الإسلام ديانة تمر بأزمة في كل بقاع العالم اليوم.
والحقيقة أن ماكرون لم يقصد الإسلام كدين، ولا قصد حتى المسلمين في كل زمان ومكان، وإنما عنى المسلمين في يومنا هذا، ولولا التشدد الإسلامي الذي يترعرع في بلاده، لَما أدلى الرجل بذلك التصريح، لكنها حالة هياج معتادة مع أي تصريح يضع المسلمين أمام التحديات التي تواجههم مع دينهم في دنياهم.
ويقول الكاتب السعودي محمد المحمود، في مقال له بعنوان: «هل أخطأ الرئيس الفرنسي؟»، إننا حين نقول الإسلام، فإنما نقصد الإسلام المتمثل في المسلمين، الإسلام المعاش، الإسلام المسطور في الكتب والخطب والدروس والمحاضرات وبرامج الحركات والأحزاب، والذي يتشكل به وعي الأغلبية الساحقة من مسلمي اليوم، ويؤكد المحمود بأن هذا الإسلام، بالوصف الآنف بيانه، يمر فعلاً بأزمة، ويتسبّب للعالم بأزمة.. لا في الغرب أو الشرق فحسب، وإنما حتى داخل العالم الإسلامي نفسه.
وما أحاول قوله في هذه السطور هو ضرورة التمييز بين الإسلام وبين المسلمين، بغض النظر عن صواب أو خطأ ما قاله ماكرون في تصريحاته، فالإسلام كدين ليس المسلمين كبشر، والمسلمون كبشر ليسوا الإسلام كدين، وانتقاد أحدهما لا يعني انتقاد الآخر، والخلط بين الأمرين واعتبارهما واحداً يؤدي إلى نتائج ضارة على مختلف المستويات، فهذا الخلط يؤدي من جهة إلى تحميل الإسلام الحمل الثقيل المتمثل في الواقع المزري للمسلمين في معظم دولهم الإسلامية المتردية، وتجمعاتهم كأقليات مأزومة وانعزالية في البلاد غير الإسلامية، ويؤدي هذا الخلط من جهة أخرى إلى تخفيف حمل الإصلاح على كاهل المسلمين، فالإسلام الذي هو نفسه المسلمين في نظرهم لا يحتاج إلى إصلاح، من حيث إنه دين الله، فالإسلام هو مَن جاء بالإصلاح، ومن ثَم فهم ليسوا بحاجة إلى إصلاح شيء في أنفسهم وواقعهم، ويخلق هذا الخلط من جهة ثالثة اعتقاداً في أذهان المسلمين بأن الآخر الذي انتقدهم، هو حتماً (وبشكل آلي) معادٍ للإسلام.
والاعتقاد بأن الآخر يعادي الإسلام من حيث إنه دين الله القويم، لأنه انتقد واقع المسلمين الذي لا يسر الناظرين، يجعل صاحب هذا الاعتقاد لا يرى أية فائدة من الحوار مع الآخر، فلا حوار معه إلا بالسيوف والقنابل، إذ سيظل الآخر معادياً له، من حيث عداوته لدينه، كما يتصوّر، وهو التصوّر الذي خلُص إليه لأنه منذ البداية دمج نفسه بالإسلام، ودمج الإسلام فيه، وصارَا شيئاً واحداً.
والعجيب أن المسلمين أنفسهم، لا يرون بعضهم بعضاً يمثلون الإسلام، وكل أصحاب نسخة من الإسلام يعتقدون أن نسختهم هي الأصل، والنسخ الأخرى ليست من الإسلام في شيء، أو ليست الإسلام الصحيح، فإذا ما انتقدهم غير المسلم، اعتقدوا فجأة أنه ينتقد الإسلام.
*كاتب إماراتي