«إن الحفاظ على أمن اليمن واستقراره ودعم شعبه الشقيق ومساندته في مختلف الظروف، يُعد من الثوابت الراسخة لدولة الإمارات العربية المتحدة، منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه»، تلك هي مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، التي توجز أهمية اليمن في ظل الأحداث التي يمر بها منذ انقلاب «جماعة الحوثي» على الشرعية هناك، وبدء عمليات «التحالف العربي» للمساعدة في إعادة الأمور لنصابها، وفي هذا الإطار نستعرض أحد إصدارات «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»، وهو بعنوان «دور عملية استعادة الشرعية في اليمن في تعزيز الأمن القومي العربي»، ومن تأليف معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، وخاصة أنه يأتي في سياق الأحداث الأخيرة في اليمن، وآخرها تطورات استئناف تنفيذ «اتفاق الرياض» بين الحكومة اليمنية و«المجلس الانتقالي الجنوبي»، لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام والتنمية.
ويؤكد المؤلف على أن قرار التدخل العسكري ضد الميلشيات «الحوثية»، لاستعادة الشرعية في اليمن كان من أكثر القرارات العربية أهمية في مواجهة مهددات الأمن القومي العربي والتصدي لمحاولات الهيمنة الإيرانية والتدخل في الشؤون الداخلية للعالم العربي. وقد ركز المؤلف على عدة فرضيات هي أن انقلاب «الحوثيين» على الشرعية كان اعتداء مباشر على الأمن القومي العربي بمفهومه العام، وعلى أمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بمفهومه الخاص، إضافة إلى أنه كان حلقة في خطة إيران للهيمنة على المنطقة، بجانب ذلك فالانقلاب أدى للتدخل العسكري العربي، والذي كان أمراً حتمياً بعد فشل التسويات السلمية للأزمة اليمنية، وبالتالي فإن التدخل العربي قد وجه ضربة قوية لمشروع الفتنة الطائفية الذي تقوده إيران في المنطقة، إضافة إلى أنه قد أحيا مفهوم الأمن الجماعي العربي بعد حالة من الاندثار، في ظل الخلافات العربية حول مصادر التهديد لأمنهم القومي وأخيراً، فإن التحالف العربي العسكري يمثل نواة لقوة عربية، من الممكن أن تكتسب صفة المؤسسية والاستمرارية بعد انتهاء مهمتها في اليمن.
ثم تناولت الدراسة بالتفصيل أهمية اليمن من الناحيتين الحضارية والتاريخية والموقع الجغرافي الاستراتيجي، باعتباره يمثل ركناً مهماً في الأمن القومي العربي، الأمر الذي جعله مطمعاً للقوى الاستعمارية المختلفة على مر العصور، أضف إلى ذلك، أن عدم الاستقرار في اليمن يمثل، وبقوة، تهديداً مباشراً للأمن السعودي، نظراً لمتاخمة اليمن للمملكة العربية السعودية، كما أن اليمن، بموقعه الاستراتيجي على البحر الأحمر، يسيطر على طرق الملاحة البحرية المؤدية إلى آسيا، ولذلك فهو همزة الوصل بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وقارة أفريقيا، كما تناولت الدراسة علاقة إيران بـ«الحوثيين»، والتي تعود للعام 1994 والخطر الاستراتيجي لانقلاب «الحوثيين» على الشرعية اليمنية، باعتباره مرحلة جديدة من السعي الإيراني لتنفيذ مشروعها التوسعي في المنطقة وتهديد الأمن القومي العربي، وخاصة فيما يتعلق بالحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية. واختتمت الدراسة، بالتشديد على الأهمية الاستراتيجية للتحالف العسكري العربي، باعتباره يمثل «فرصة تاريخية» من أجل بناء قوة عسكرية عربية، في ظل الصراعات في العالم العربي، وتصاعد التنافس بين قوى إقليمية ودولية على الساحة العربية، إضافة للتغيرات في سياسات بعض القوى الكبرى تجاه الدول العربية، وخاصة بعد توقيعها الاتفاق النووي مع إيران.
كافة تلك التطورات تفرض على الدول العربية الاستناد للغة العقل والمنطق والاتفاق في ما بينها على مصادر التهديد لأمنها القومي، حتى لا تكون الأحداث في اليمن مقدمة لتطورات أخرى أشد خطورة على مستقبل الأمة العربية.
*باحث إماراتي