كنت قد كتبت عن الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام بمختلف أنواعها في نشر العلم والثقافة العلمية وفي نهضة المجتمعات والدول، وقلت إن الحاجة ماسة دائماً إلى إيجاد إعلام يهتم بتسويق العلم والعلماء وإنجازاتهم.
وهناك رغبة جادة وصادقة لدى قيادتنا الرشيدة في نشر العلم وتشجيع العلماء، وسعياً حثيثاً للنهوض والتنمية والارتقاء، وهو ما عكسته نجاحاتنا الكبيرة في مختلف المجالات، وما اكتسبناه من مؤهلات لتحقيق مزيد من التقدم الاقتصادي والعلمي في المراحل القادمة، لاسيما أن لدينا علماء ومفكرين وكتاباً ومثقفين محليين، والكثير من المتعلمين والمتخصصين في كافة المجالات. لكننا نحتاج إلى مزيد من التسويق الإعلامي لذلك كله، وإلى مزيد من تقوية الوعي المجتمعي بأهمية العمل التنموي والوطني عند جيل الشباب من النخبة المتعلمة، لاسيما الكوادر العلمية منها.
الإعلام يلعب دوراً كبيراً في التعريف بإنجازاتنا ومؤهلاتنا في المجالات العلمية والأدبية، على نحو صحيح وسليم، ويلقي الضوء على منجزات علمائنا ومفكرينا وكتابنا وأفكارهم في المجالات التخصصية لكل منهم، ويجعل أغلب مساحات الإعلام المحلي منشغلة بأخبارهم ومنجزاتهم، ويخلق من العلم والثقافة وعالم الكاتب والفكر المحلي سلعة مرغوبة وقابلة للترويج على أوسع نطاق، أي أن يشد الأنظار إلى مبدعينا من كل الأجيال، وبخاصة جيل الشباب، بما يجعلهم رموزاً للطموح المنطلق نحو أوسع الآفاق.. وهذا ما فعلته كل الدول التي نهضت ونفعله الآن في دولة الإمارات. لذلك يلزم أن توجد لدينا المزيد من أفلام ونشرات وملاحق صحفية للتوعية العلمية، بما يجعل المجتمع كله يعيش حلم التقدم والارتقاء العلمي، وأن تكون لدينا شبكة كبيرة من كشافة المواهب لانتقاء أفضل العقول وإبرازها إعلامياً وجعلها النموذج والمثال القادر على الإلهام وعلى تحقيق أفضل منتوج علمي.. وبذلك نعرّف الآخرين بأن لدينا مورداً ثقافياً وعلمياً وفكرياً ضخماً، يفوق الموارد النفطية في أهميته بأضعاف مضاعفة. ينبغي لإعلامنا أن يوسع اهتمامه ويعمقه بالمزيد من الفكر المحلي في مختلف صوره، العلمية والأدبية، وأن يساهم في تسويقه وتشجيع الأجيال الشابة على الارتباط به والاستزادة منه وتطويره، والانطلاق به نحو آفاق عالمية أكثر اتساعاً ورحابة. إنه رأسمالنا الرمزي الثمين الذي تتعين صيانته وتثمينه والعناية به. وعلى البرامج العلمية والثقافية في إعلامنا التلفزيوني بالذات أن تجتهد في مزيد من البحث عن النماذج المواطنة ممن يمكنها أن تكون مثالاً ملهماً للشباب وحافزاً لهم على اكتساب العلم والثقافة العلمية.
ومن الطبيعي أن يهتم الإعلام المحلي بالمبدع الإماراتي، أياً مجال كان إبداعه، فلن يعرف اسمه أو نتاجه سبيلاً نحو الشهرة الخارجية، إلا من خلال إبراز دوره من خلال وسائل الإعلام.
يُنقَل عن الروائي المصري نجيب محفوظ، الحاصل على جائزة نوبل في الآداب، قوله: «نحن أناس مجهولون في الخارج، لا أحد يعرف عنّا أي شيء، وفجأة اكتشفنا الآخرون، فكأننا (قبر توت عنخ آمون). ولولا التغطية الثقافية الإعلامية في الغرب لما كان هذا قد حدث.. وذلك شيء لافت، علينا أن نأخذ منه درساً ونحاول فهمه، فلدينا سنوياً أناس يحصلون على جوائز في العلوم والآداب، لابد أن نُعرّف بهم وأن نعتني بهم، لأن هذا له أثره الثقافي الجيد».
*كاتب إماراتي