لقد أظهرت جائحة فيروس كورونا الحالية، الحاجة الماسة لدى المجتمعات والدول للطاقم الطبي بجميع عناصره وتخصصاته، وأيضاً حاجة العالم الشديدة للعلم والعلماء والدراسات العلمية ومراكز البحث العلمي والكتب التي تهتم بأمر العلم والعلماء وبحوثهم، وإلى الإعلام الذي يشجع على تطوير بيئة علمية ومعرفية نشطة وينقل إنجازات وإبداعات العلم والعلماء ويهتم بأخبارهم وما فيها من محفزات للنشء، دعماً لترسيخ الثقافة العلمية في نفوس الشباب، على نحو يكون داعماً للخطط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعتبر جزءاً أساسياً من مكونات نهضة أي بلد وتقدمه. وسوف أنقل هنا بعض الآراء حول أهمية الإعلام ودوره الضروري لمجتمعات اليوم وللتصدي لقضايا هذا العصر وأزماته المتلاحقة.
وفي هذا الإطار تقول الدكتورة عواطف عبد الرحمن، أستاذة الصحافة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة: «يسعدني أن أعيش حتى أرى كثيرين ممن شرُفت برفقتهم في المدرج الجامعي من الطلاب والباحثين وقد شقوا طريقهم بجسارة وأمانة والتزام وأضافوا للمهنة والوطن، لكنني أحس بغصة وحزن لمن خانوا الأمانة والتحقوا بركب جوقة الانتهازيين وباعوا ضمائرهم في سوق النخاسة بأسعار بخسة».
وربما لذلك السبب نفسه طالب مجموعة كبيرة من الصحافيين المغاربة، مؤخراً، سلطات بلادهم بالوقوف ضد الأصوات المنتقدة التي تجعل البعض يتسابق للانزلاق نحو الانحراف بالمهنة الصحفية عن طريقها السليم، وبالتصدي لمحاولات إفساد الحقل الصحفي وإغراقه بالدخلاء من غير المهنيين.
كما ذكر الشاعر فاروق شوشة الذي أمضى 41 عاماً في الإذاعة و30 عاماً في التلفزيون، أن مما جعله يواصل ويستمر في رسالته الإعلامية كل هذه السنوات، كونه استطاع أن يتجنب الأخبار والتعليقات السياسية والبرامج الموجهة والحملات الإعلامية، مكتفياً بالشأن الثقافي كاهتمام أساسي له.
وكثيراً ما يموت أحد العلماء العرب البارزين، والذين أفنوا كل حياتهم في بيئة العلم والمعرفة وأعطوا للمجتمع العلمي والإنساني خلاصة الإنجازات والإبداعات المعرفية والعلمية، لكن دون أن نعرف عنهم شيئاً ذا بال، إذ لم تشفع لهم لا غزارة علمهم ولا أهمية الإنجازات التي أبدعوها في مجالات تخصصهم، لدى وسائل الإعلام التي لا تخصص لأحدهم لدى وفاته سوى خبر نعي صغير في مساحة ضيقة لا تكاد تُرى، وسط غابة من الأخبار والموضوعات الأقل أهمية.
وما يفتؤ علماء الحقول الإنسانية، مثل السياسة والاقتصاد والاجتماع والإنتروبولوجيا والنفس، يقدمون خلاصات شديدة الأهمية حول مجتمعاتنا في مختلف مجالات الحياة ويدرسون المجتمعات دراسة عميقة ودقيقة وفي غاية التعقد.. لكن الدور الذي يلعبه علماء الطبيعة والرياضيات في تقدم الدول والأمم لا يمكن تعويضه أو الاستغناء عنه في أي مسيرة للنهوض والتطور. لذلك يتعين إيجاد إعلام يهتم بالعلم والعلماء ويشجع على تكوين جيل من العلماء الشباب، على غرار الفريق الرائع والمبدع الذي شارك في إطلاق رحلة «مسبار الأمل» وأشرف عليها لسنوات من العمل المتواصل ودون توقف.