إنه عام 2022، وقد تم التغلب على فيروس كورونا لفترة طويلة. بعد عام ونصف عام من البؤس، وتناوب عمليات الإغلاق وحالات تفشي المرض الجديدة، يمكن للحياة أن تبدأ أخيراً في العودة إلى وضعها الطبيعي. لكنها لن تعود إلى وضعها الطبيعي القديم. سيكون عالماً جديداً، مع اقتصاد أعيد تشكيله، مثلما أعادت الحرب والكساد ترتيب الحياة للأجيال السابقة.
اختفت آلاف المتاجر والشركات التي كانت سريعة التأثر مع وصول الفيروس، وأغلقت عشرات الكليات أبوابها، في الموجة الأولى من عمليات الإغلاق في تاريخ التعليم العالي الأميركي. كما غيّر الناس أنماط سلوكهم الراسخة؛ لاسيما التواصل الاجتماعي في الداخل ورحلات العمل في الخارج. ودخلت السياسة الأميركية مرحلة جديدة، رغم أنها ما تزال منقسمة بنفس الطريقة التي كانت عليها قبل الفيروس.
وبالطبع، فإن كل هذه مجرد افتراضات؛ فالمستقبل غير معروف، لكن الجائحة تبدو بشكل متزايد وكأنها أحد الأحداث الحاسمة في عصرنا. وأفضل السيناريوهات هي الآن بعيدة المنال، وتعاني الولايات المتحدة من ارتفاع جديد للفيروسات أسوأ من أي بلد آخر.
وبمساعدة الاقتصاديين والسياسيين ورجال الأعمال، حاولت تخيل ما الذي سيبدو عليه الاقتصاد ما بعد كوفيد-19. إحدى الرسائل التي سمعتها، هي أن مسار الفيروس نفسه سيلعب الدور الأكبر على المدى المتوسط. إذا حدثت اختراقات علمية وتمت هزيمة الفيروس إلى حد كبير هذا العام، فقد لا يكون هناك العديد من التغييرات الدائمة في الحياة اليومية.
وإذا لم يتم التوصل للقاح لسنوات، فقد تكون التغييرات طويلة المدى عميقة حقاً، حيث إن أي صناعة تعتمد على الاتصال البشري الوثيق ستكون في خطر. وقد تختفي السفن السياحية والصناعات الترفيهية، وكذلك دور السينما وفرق البيسبول الناشئة، بينما ستختفي آلاف المطاعم.
وتعتمد التغييرات التي أتخيلها في هذا المقال على ما يعتبره العديد من العلماء خط الأساس، وليس على اتخاذ قرار سريع أو بطيء بشكل غير متوقع. وفي هذا السيناريو، سيصل اللقاح في وقت ما من عام 2021. وحتى ذلك الوقت، سيتحمل العالم موجات من الوباء والوفيات وعدم اليقين.
وهناك تحذير آخر، قبل أن نتعمق في التفاصيل: أشياء كثيرة لن تتغير، ولدينا دروس من التاريخ. فالأزمة المالية في 2007-2009 لم تجعل الأميركيين يتخذون موقفاً سيئاً من الأسهم، ولم تؤد إلى إصلاح شامل في وول ستريت. ولم يؤد انتخاب رئيس أسود إلى بداية عصر من المصالحة العنصرية. ولم تجعل هجمات 11 سبتمبر الأميركيين غير راغبين في السفر جواً، ولم تنه حربُ فيتنام الحروبَ الخارجية الممتدة.
ومع ذلك، فإذا كان الوباء سيشكّل الحياة في العام المقبل، فمن المحتمل أن نتذكره باعتباره حدثاً تاريخياً أكثر أهمية من الحوادث السابقة. قد يكون أهم تجربة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية والكساد العظيم.
ويرى وارين بافيت، رجل الأعمال الثري وأشهر مستثمر أميركي، أن الشركات ذات النماذج التجارية المعيبة، ربما تبدو قوية في الأوقات الجيدة. لكن عندما يضعف الاقتصاد، سيتخذ الناس قرارات بالتراجع عن الشراء منها. وتقول «إميلي أوستر»، أستاذة الاقتصاد بجامعة براون: «ستكون فرصة لإعادة النظر في أوجه القصور»، ومن المرجح أن يسبب الفيروس التاجي هذه الظاهرة أكثر من الركود. وستكون الصحف المحلية إحدى الضحايا؛ فهي بالفعل تعاني بعد أن استحوذت شركات جوجل وفيسبوك وغيرهما على مصدر دخلها الرئيسي وهو الإعلانات. لقد أدى الفيروس إلى المزيد من التراجع في الإعلانات، والمزيد من التخفيضات في الوظائف، ما سيجبر عشرات الصحف على الإغلاق، أو أن تكون تابعة لصحف أكبر. وإذا حدث ذلك، فستُترك المدن التي تصدر بها هذه الصحف من دون المصدر الرئيسي الوحيد تقريباً للمعلومات حول السياسة المحلية والأعمال والتعليم وغيرها.
وقد أدى الفيروس إلى جعل المستهلكين يتحولون بشكل أكبر إلى التسوق عبر الإنترنت من منافذ مثل أمازون وتارجت ووولمارت.
وهناك صناعة أخرى معرّضة للخطر وهي التعليم العالي، وهي مختلفة عن الصناعات الأخرى، لأنها تعتمد بشكل كبير على الدعم الحكومي. ومع ذلك، فإن العشرات من الكليات الحكومية والخاصة تواجه مشكلة حقيقية.
والسؤال المباشر هو ما إذا كانت الكليات ستتمكن من إعادة الطلاب هذا الخريف، كما يأمل المسؤولون بشدة. إذا لم تفعل، فمن المرجح أن تنخفض إيرادات التسجيل والرسوم الدراسية بشكل حاد.
إن السياسة هي أكبر مصدر لعدم اليقين بالنسبة للاقتصاد الأميركي ما بعد الفيروس. فقد غيّرت الأزمات السابقة الاقتصاد، ولكن في الغالب بسبب سياسة الحكومة. لقد سمحت الحرب الأهلية الأميركية لأبراهام لينكولين بإنشاء خط سكك حديدية عابر للقارات وشبكة وطنية من الجامعات الحكومية. وأدى الكساد الكبير إلى سن مجموعة من القوانين الفيدرالية التي قللت من عدم المساواة. وساعدت أزمة الإسكان التي بدأت عام 2007، في انتخاب رئيس «ديمقراطي» وكونجرس قام بتمديد شبكة التأمين الصحي لتشمل ملايين الناس.
وإذا أعيد انتخاب الرئيس دونالد ترامب هذا العام، فقد لا يؤدي ذلك إلى أي تشريع اقتصادي رئيسي كبير، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه لم يقترح أي تشريع. لكنه سيظل يتمتع بسلطة تنظيمية واسعة.
وقد تكون إحدى تداعيات ما بعد الفيروس، المزيد من الدمج في العديد من الصناعات، بينما ستزداد الشركات الكبيرة حجماً.
في أقل من 15 عاماً، عانت الولايات المتحدة من أكبر أزمتين اقتصاديتين منذ الكساد الكبير، وأسوأ جائحة منذ أكثر من قرن من الزمان، وانتخاب رئيسين لا يشبهان أياً ممن جاء قبلهما، وهما على النقيض تماماً أحدهما من الآخر. وإذا كان هناك درس واحد من العصر الحالي للسياسة الأميركية، فهو أن التغيير يمكن أن يحدث بسرعة أكبر مما تخيلنا.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»