بخصوص موضوع العبودية الأميركية، لدي حكم عام ومطلق في هذا الموضوع، ألا وهو أن المستعبِدين كانوا وحوشاً لا أخلاق لهم، ذلك أن فكرة أن مجموعة من البشر كانت تعتقد أن لديها الحق في امتلاك بشر آخرين، هي فكرة مقززةٌ ومريضةٌ حقاً، كما أن سيطرتهم التي تمت بالعنف، هي أيضاً همجيةٌ ووحشيةٌ.
بعض الأشخاص كثيراً ما يحاولون تفسير هذا الأمر بالقول: إن الأشخاص الذين كانوا يستعبدون الأفارقة في هذا البلد (الولايات المتحدة) كانوا أبناء عصرهم، وكانوا يتّبعون عادات وتقاليد تلك الفترة، لكن هذا التفسير متهافت في الواقع، ذلك، أنه في تلك الفترة كان ثمة أيضاً رجال ونساء يجدون العبودية مستهجَنة وغير مقبولة أخلاقياً، في حين كان المستعبِدون يتجاهلون كل ذلك، وينزعون عن السود إنسانيتهم لتبرير استعبادهم وجني الأرباح من عملهم.
كما يقول بعض الأشخاص: إن بعض مالكي العبيد كانوا أطيب وألطف من آخرين، لكن هذا التفسير يطرح إشكالية أيضاً؛ إذ أن سلب شخص حريته، هو في حد ذاته شيء عنيف. ثم إن الأشخاص المستعبَدين الذين كانوا يُشحنون إلى أميركا عبر «الممر الأوسط»، كانوا يذوقون صنوف العذاب، ويعامَلون معاملة فظيعة، إلى حد يفوق الوصف.
إحدى الشهادات المكتوبة القليلة عن الظروف المزرية على متن تلك السفن التي تشحن الأفارقة، صدرت عن القس روبرت وولش، كانت الحكومة البريطانية قد حظرت التجارة الدولية بالعبيد في 1807، ثم حذت حذوها الولايات المتحدة في 1808، وكانت الدولتان تقومان بدوريات في البحر لمنع الناس من مواصلة خطف الأفارقة وجلبهم إلى ذينك البلدين بشكل مخالف للقانون، وفي 1829، رصدت إحدى الدوريات واحدة من تلك السفن، وما رآه وولش عندما صعد على متن تلك السفينة، كان شيئاً يصعب وصفه، وكانت السفينة قد أبحرت قبل 17 يوماً، وكان على متنها أكثر من 500 أفريقي مخطوف، خمسة وخمسون منهم تم إلقاؤهم في البحر، وكان الأفارقة مكدسين وملتصقين ببعضهم بعضاً فوق سطوح السفينة، وكان ارتفاع كل سطح عن السطح الذي يليه متراً واحداً فقط، وكان المكان جد مكتظ، لدرجة أنهم كانوا يجلسون بين سيقان بعضهم البعض، عراة تماماً كما ولدتهم أمهاتهم، ومثلما روى وولش، فإنه «لم تكن هناك أي إمكانية لأن يستلقوا على السطح، أو لأن يغيّروا وضعياتهم في الليل أو في النهار»، وكان كل واحد منهم موسوماً بوسم عن طريق «الكي بالحديد الحامي» على صدره أو ذراعه، والكثير منهم كانوا أطفالاً وفتيات وأولاداً في مقتبل العمر، لم يكن الضوء ولا الهواء يبلغ أحشاء تلك السفن، وكما حكى وولش: «كانت حرارة تلك الأماكن الرهيبة جد مرتفعة، والرائحة جد كريهة وقوية، لدرجة أنه كان من المستحيل دخولها، حتى لو كان ثمة مجال يسمح بذلك».
هؤلاء الأشخاص (هؤلاء البشر) كانوا يجلسون بين قيئهم وبولهم وبرازهم، لكن أيضاً بين قيء الآخرين وبولهم وبرازهم!
وكانت هذه الرحلات تستغرق، على العادة، أكثر من شهر، ما يعني أن الكثير من النساء اللاتي على متن السفينة كن يحضن في هذه الظروف، وكان الكثير من المستعبَدين، المرضى أو الذين فقدوا صوابهم، يُلقى بهم في البحر، بينما كان آخرون يقفزون في البحر بكل بساطة، وكان ثمة الكثير من اللحم البشري بجانب تلك السفن، لدرجة أن أسماك القرش تعلّمت أن تتبعها.
كانت تلك الرحلات جد فظيعة، لدرجة أنني لا أملك إلا أن أخلص إلى أن الرجال والنساء والأطفال الذين صمدوا كانوا بشراً خارقين، أي الأقوى والأشد تحملاً بين نوعنا البشري. أما بالنسبة للأشخاص الذين كانوا يستقبلون هذه السفن التي تنزّ عرقاً ونتانة (سفن العذاب البشري)، أو يقومون بالمزايدة على حمولتها، أو يستفيدون بأي طريقة من التجارة والصناعة التي وفّرت الطلب لمثل هذا العرض، فلا أكنّ لهم شخصياً سوى الاحتقار.
بعض الأشخاص الذي يعارضون إزالة التماثيل يسألون: «إذا شرعنا في ذلك، فأين سننتهي؟»، فقد يبدأ الأمر بجنرالات الكونفدرالية (التي شكّلتها ولايات الجنوب المؤيدة للعبودية وتجارة الرقيق بعد انفصالها عن الاتحاد الفيدرالي)، لكن كل مالكي العبيد يمكن أن يصبحوا هدفاً بسهولة، حتى جورج واشنطن (أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة وأول رئيس لها) نفسه.
ولهؤلاء أقول: «تماماً، هذا هو بيت القصيد!»، ذلك أن جورج واشنطن استعبد أكثر من 100 من البشر، ووقّع «قانون العبد الهارب» لعام 1793، والذي سمح لتجار الرقيق بتعقب الهاربين وملاحقتهم حتى في «الولايات الحرة» (الولايات حيث لا توجد عبودية)، وجرّم مساعدة العبيد الهاربين، وعندما هربت واحدة من الأفارقة الذين كان يستعبدهم، وهي امرأة تدعى أونا ماريا دجادج، لم يتوان عن ملاحقتها بلا هوادة، وقد أفرج واشنطن عن عبيده في وصيته، أي حينما لم يعد بحاجة إليهم.
أقول: إنه ينبغي علينا أن نعيد النظر في التماثيل المنصوبة في الأماكن العامة، ذلك أنه لا اللقب ولا المكانة يمكن أن يمحوا الفظاعات التي ألحقها صاحبهما بالآخرين، وينبغي ألا يحظى مالكو العبيد بأي تكريم، عبر إقامة تماثيل لهم ونصبها في الساحات العمومية، فلدينا متاحف لهذا الغرض، وهي توفّر سياقاً أفضل لذلك، هذا ليس محواً للتاريخ، وإنما تقدير أحسن لفصول فظيعة منه!
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»