انتهت الأسبوع الماضي حالة الطوارئ في مدينة ريجا عاصمة لاتفيا. ولا تزال العديد من المتاجر مغلقة، بما في ذلك بعض المتاجر التي لن تفتح مرة أخرى أبدا، في حين أن المقاهي الموجودة على رصيف المشاة ليست بكامل طاقتها.
ومع ذلك، بينما تتمتع هذه الدولة التي يبلغ عدد سكانها 1.9 مليون نسمة بطقس ربيعي، هناك شعور لا يمكن إنكاره بالارتياح الجماعي.
يقول «برنارد لو»، مدير فندق فخم في المدينة القديمة التاريخية «يبدو الأمر وكأننا نستيقظ من حلم سيئ». كما هو الحال في فنادق «ريجا»، اضطر هذا الفندق إلى الإغلاق بسبب الجائحة. «لكننا على الأقل بدأنا نستيقظ»، بحسب ما يقول«لو».
كل من لاتفيا وشقيقتها إستونيا، من جمهوريات البلطيق، لديهما سبب وجيه للارتياح. فبفضل القيادة الاستباقية والتوافقية، خرجت كل منهما من هذه المرحلة من الوباء مع عدد قليل بشكل ملحوظ من الخسائر في الأرواح ومعدلات إصابة أقل من معظم أوروبا، بالإضافة إلى شعور متجدد بالوحدة والفخر القومي.
أحد الأسباب الرئيسية لهذا هو أن كبار السياسيين في كلا البلدين تنحوا جانباً وسمحوا لخبرائهم الطبيين أن يأخذوا زمام المبادرة في هذه الأزمة الصحية.
منذ أن استعادت الدولتان استقلالهما عام 1991، وهما تواجهان تحدي إرث الحقبة السوفييتية: توترات بين الأغلبية العرقية في لاتفيا وإستونيا ومواطنيهم الروس، حيث إن ما يقرب من ربع السكان من الناطقين بالروسية، وكثير منهم لديهم أفراد في أسرهم كانوا من القوات والمسؤولين السوفييت، أو هم أنفسهم عسكريون سابقون.
في لاتفيا، على سبيل المثال، اختلف المجتمعان حول الضغط الذي مارسته الحكومة مؤخراً لجعل اللغة اللاتفية هي اللغة الرسمية للدولة.
وتوقع البعض أن تظهر هذه التوترات مرة أخرى مع تفشي فيروس كورونا. لكن هذا لم يحدث –ما حدث هو العكس.
يشيد رئيس وزراء لاتفيا «كريجانيس كارينش» بالمجتمعات اللاتفية والناطقة بالروسية على حد السواء لالتزامهما بتوجيهات الحكومة بشأن الوباء.
يقول كارينش «أعتقد أن الأمر لم يكن مخططاً له، لكن الوباء وحدنا». وأضاف «لقد نجحت الإجراءات التي لجأنا إليها لوقف انتشار الفيروس بشكل فعال لأنها استهدفت مجتمعنا بأسره. وبشكل أساسي، تعاون الجميع في هذا الشأن».
ومما ضاعف الصعوبات التي واجهناها في أول الأمر حقيقة أن المجتمعين يميلان إلى الاعتماد على أخبار من مصادر متباينة. في لاتفيا، كما هو الحال في استونيا، يعتمد معظم السكان الناطقين بالروسية على وسائل الإعلام الروسية في موسكو للحصول على المعلومات.
يقول «اوجا دومبيس»، كبير خبراء الفيروسات في الحكومة «كانت الرسالة التي أرسلتها موسكو إلى مواطنيها وإلى «المقيمين في الخارج» هي أن الفيروس لم يكن أسوأ من الإنفلونزا. ولحسن الحظ أن أدرك الجميع أن الفيروس بنفس الخطورة التي ذكرناها».
تقول «جانا هوراكوفا»، مذيعة في خدمة إذاعة لاتفيا للمتحدثين بالروسية «سرعان ما أدرك الناس أن لديهم عدواً مشتركاً».
وحسب «مارتينز لاجزيدينز»، رئيس شركة إعلانية في ريجا «ساعد الفيروس جميع اللاتفيين على إدراك أننا جميعاً داخل القارب نفسه في نهاية الأمر».
ويوافق الصحفي اللاتفي الأميركي البارز «باولوس روديسيبس» على هذه الخلاصة مشيراً إلى «الخلافات انحسرت بين المجتمعين وهذا أمر جيد».
وفي إستونيا، سلط الدعم الواسع للحكومة الضوء على الوجوه الجديدة من الجالية الروسية بهذه الجمهورية. أحدهم هو الدكتور «أركادي بوبوف»، المدير الطبي لفريق الأزمات التابع لمجلس الصحة الإستوني.
يقول «بوبوف»، الذي أصبح ضيفاً تلفزيونياً مطمئناً كل ليلة: «أعتقد في أزمة كهذه، من المهم أن تكون المعلومات الموضوعية متاحة لكل الجماهير الناطقة بالإستونية أو الروسية».
ويشير إلى الطريقة التي احتفل بها المجتمع الروسي بالتاسع من مايو، وهو اليوم الذي يحتفل فيه الروس في لاتفيا وإستونيا بذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية من خلال التجمع عند النصب التذكاري السوفييتي في كلتا العاصمتين. «عادة ما تكون المنطقة الموجودة أمام نصب الجندي المجهول في المقبرة العسكرية في تالين، عاصمة إستونيا، مزدحمة للغاية. في هذا العام، كانت هناك زهور كما هو الحال كل عام، ولكن يبدو أن الناس اتبعوا قاعدة 2+2»، بحسب ما قال بوبوف.
هذه القاعدة تتيح للناس في الأماكن العامة التواجد كأزواج مع الحفاظ على مسافة مترين بين كل زوجين. يقول بوبوف «لقد جعلنا الوباء أكثر ابتكاراً»، مشيراً إلى الزيادة الكبيرة في استخدام الاستشارات بين الأطباء والمرضى عبر الفيديو في المستشفيات الإستونية.
وقال «تونيس سارتس»، أستاذ السياسة المقارنة في جامعة تالين، خلال تعليقه الإذاعي الأسبوعي إنه بفضل «المساهمة الرائعة» للدكتور «بوبوف» وغيره من الروس الإستونيين، «أنهت الأزمة تقريباً الحدود العرقية». وكما هو الحال في لاتفيا، ابتعد الناطقون بالروسية عن مصادر الأخبار الروسية وبدأوا في الاعتماد على مصادر الأخبار المحلية حول الفيروس التاجي.
وتكرر تفاؤل البروفيسور سارتس، وكذلك قلقه، على لسان عالمة الاجتماع اللاتفية التي تقوم بالتدريس في كلية لندن للاقتصاد«ليين أوزولينا»، حيث قالت: «تم التغلب على التحدي الطبي. والتحدي التالي هو تحدٍ اقتصادي». يذكر أن معدل البطالة في لاتفيا يبلغ نحو 11%، ويقول أكثر من نصف السكان إنهم تأثروا سلباً بالوباء من الناحية المالية.
*مراسل صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» في دول البلطيق
يبنشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
ومع ذلك، بينما تتمتع هذه الدولة التي يبلغ عدد سكانها 1.9 مليون نسمة بطقس ربيعي، هناك شعور لا يمكن إنكاره بالارتياح الجماعي.
يقول «برنارد لو»، مدير فندق فخم في المدينة القديمة التاريخية «يبدو الأمر وكأننا نستيقظ من حلم سيئ». كما هو الحال في فنادق «ريجا»، اضطر هذا الفندق إلى الإغلاق بسبب الجائحة. «لكننا على الأقل بدأنا نستيقظ»، بحسب ما يقول«لو».
كل من لاتفيا وشقيقتها إستونيا، من جمهوريات البلطيق، لديهما سبب وجيه للارتياح. فبفضل القيادة الاستباقية والتوافقية، خرجت كل منهما من هذه المرحلة من الوباء مع عدد قليل بشكل ملحوظ من الخسائر في الأرواح ومعدلات إصابة أقل من معظم أوروبا، بالإضافة إلى شعور متجدد بالوحدة والفخر القومي.
أحد الأسباب الرئيسية لهذا هو أن كبار السياسيين في كلا البلدين تنحوا جانباً وسمحوا لخبرائهم الطبيين أن يأخذوا زمام المبادرة في هذه الأزمة الصحية.
منذ أن استعادت الدولتان استقلالهما عام 1991، وهما تواجهان تحدي إرث الحقبة السوفييتية: توترات بين الأغلبية العرقية في لاتفيا وإستونيا ومواطنيهم الروس، حيث إن ما يقرب من ربع السكان من الناطقين بالروسية، وكثير منهم لديهم أفراد في أسرهم كانوا من القوات والمسؤولين السوفييت، أو هم أنفسهم عسكريون سابقون.
في لاتفيا، على سبيل المثال، اختلف المجتمعان حول الضغط الذي مارسته الحكومة مؤخراً لجعل اللغة اللاتفية هي اللغة الرسمية للدولة.
وتوقع البعض أن تظهر هذه التوترات مرة أخرى مع تفشي فيروس كورونا. لكن هذا لم يحدث –ما حدث هو العكس.
يشيد رئيس وزراء لاتفيا «كريجانيس كارينش» بالمجتمعات اللاتفية والناطقة بالروسية على حد السواء لالتزامهما بتوجيهات الحكومة بشأن الوباء.
يقول كارينش «أعتقد أن الأمر لم يكن مخططاً له، لكن الوباء وحدنا». وأضاف «لقد نجحت الإجراءات التي لجأنا إليها لوقف انتشار الفيروس بشكل فعال لأنها استهدفت مجتمعنا بأسره. وبشكل أساسي، تعاون الجميع في هذا الشأن».
ومما ضاعف الصعوبات التي واجهناها في أول الأمر حقيقة أن المجتمعين يميلان إلى الاعتماد على أخبار من مصادر متباينة. في لاتفيا، كما هو الحال في استونيا، يعتمد معظم السكان الناطقين بالروسية على وسائل الإعلام الروسية في موسكو للحصول على المعلومات.
يقول «اوجا دومبيس»، كبير خبراء الفيروسات في الحكومة «كانت الرسالة التي أرسلتها موسكو إلى مواطنيها وإلى «المقيمين في الخارج» هي أن الفيروس لم يكن أسوأ من الإنفلونزا. ولحسن الحظ أن أدرك الجميع أن الفيروس بنفس الخطورة التي ذكرناها».
تقول «جانا هوراكوفا»، مذيعة في خدمة إذاعة لاتفيا للمتحدثين بالروسية «سرعان ما أدرك الناس أن لديهم عدواً مشتركاً».
وحسب «مارتينز لاجزيدينز»، رئيس شركة إعلانية في ريجا «ساعد الفيروس جميع اللاتفيين على إدراك أننا جميعاً داخل القارب نفسه في نهاية الأمر».
ويوافق الصحفي اللاتفي الأميركي البارز «باولوس روديسيبس» على هذه الخلاصة مشيراً إلى «الخلافات انحسرت بين المجتمعين وهذا أمر جيد».
وفي إستونيا، سلط الدعم الواسع للحكومة الضوء على الوجوه الجديدة من الجالية الروسية بهذه الجمهورية. أحدهم هو الدكتور «أركادي بوبوف»، المدير الطبي لفريق الأزمات التابع لمجلس الصحة الإستوني.
يقول «بوبوف»، الذي أصبح ضيفاً تلفزيونياً مطمئناً كل ليلة: «أعتقد في أزمة كهذه، من المهم أن تكون المعلومات الموضوعية متاحة لكل الجماهير الناطقة بالإستونية أو الروسية».
ويشير إلى الطريقة التي احتفل بها المجتمع الروسي بالتاسع من مايو، وهو اليوم الذي يحتفل فيه الروس في لاتفيا وإستونيا بذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية من خلال التجمع عند النصب التذكاري السوفييتي في كلتا العاصمتين. «عادة ما تكون المنطقة الموجودة أمام نصب الجندي المجهول في المقبرة العسكرية في تالين، عاصمة إستونيا، مزدحمة للغاية. في هذا العام، كانت هناك زهور كما هو الحال كل عام، ولكن يبدو أن الناس اتبعوا قاعدة 2+2»، بحسب ما قال بوبوف.
هذه القاعدة تتيح للناس في الأماكن العامة التواجد كأزواج مع الحفاظ على مسافة مترين بين كل زوجين. يقول بوبوف «لقد جعلنا الوباء أكثر ابتكاراً»، مشيراً إلى الزيادة الكبيرة في استخدام الاستشارات بين الأطباء والمرضى عبر الفيديو في المستشفيات الإستونية.
وقال «تونيس سارتس»، أستاذ السياسة المقارنة في جامعة تالين، خلال تعليقه الإذاعي الأسبوعي إنه بفضل «المساهمة الرائعة» للدكتور «بوبوف» وغيره من الروس الإستونيين، «أنهت الأزمة تقريباً الحدود العرقية». وكما هو الحال في لاتفيا، ابتعد الناطقون بالروسية عن مصادر الأخبار الروسية وبدأوا في الاعتماد على مصادر الأخبار المحلية حول الفيروس التاجي.
وتكرر تفاؤل البروفيسور سارتس، وكذلك قلقه، على لسان عالمة الاجتماع اللاتفية التي تقوم بالتدريس في كلية لندن للاقتصاد«ليين أوزولينا»، حيث قالت: «تم التغلب على التحدي الطبي. والتحدي التالي هو تحدٍ اقتصادي». يذكر أن معدل البطالة في لاتفيا يبلغ نحو 11%، ويقول أكثر من نصف السكان إنهم تأثروا سلباً بالوباء من الناحية المالية.
*مراسل صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» في دول البلطيق
يبنشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»