يتساءل السوريون: أيكون «قانون قيصر»، الذي يتضمن عقوبات اقتصادية جديدة لمنع الأنشطة التجارية الأجنبية مع الحكومة السورية، عقاباً للشعب السوري كله أم هو عقاب للحكومة فقط؟ وكل يجيب حسب ولائه وانتمائه وفهمه، فالمعارضون يجزمون أن القانون يدافع عن المدنيين، وقد صدر لحمايتهم، والموالون يقولون إنه ضد الشعب، وقد صدر لإذلال السوريين وتجويعهم وإحكام الحصار عليهم. ويقول الأميركان إن القانون لا يمس الغذاء والدواء، وهو موجه للسلطة ومن يدعمها بالأسلحة، وطريق الخلاص منه سهل وواضح، ويكفي أن تعلن الحكومة السورية قبولها بالحل السياسي وأن تقبل تنفيذ القرار الأممي 2254 وأن تحاسب المجرمين كي يصدر الرئيس الأميركي قراراً يفوضه به القانون ذاته، وهو تجميد العمل به.
والحقيقة أن مطالب القانون ليست سهلة على الحكومة السورية، فالقبول بها سيعني نهايتها. صحيح أن القانون لايطلب تغيير الوضع القائم في سوريا، لكن القبول بهيئة حكم انتقالي تنتقل إليها الصلاحيات التشريعية والتنفيذية سيعني نهاية عهد وبداية عهد جديد.
ويبدو من المفارقات أن سوريا وقعت في هوة عجز اقتصادي غير مسبوق، قبل أن يبدأ تنفيذ قانون «قيصر». ويرى الاقتصاديون أن سبب العجز الكبير وانخفاض سعر العملة السورية هو ما وقع في الدائرة الضيقة التي تمتلك 70% من الاقتصاد السوري من خلاف مالي كان من تداعياته توقف ما كان متبقياً من حراك اقتصادي بعد أن سحبت الأموال من البنوك وبخاصة البنوك اللبنانية التي كانت ملاذ المال السوري غير الرسمي، وتعد بمليارات الدولارات. ويظن السوريون أنها هربت من المنطقة كلها نحو أماكن آمنة، كما أن الخوف من مجريات قانون « قيصر» القادمة جعل أصحاب المال يتوقفون عن أي نشاط اقتصادي وربما بات بعضهم يفكر بطريقة للهرب والنجاة قبل أن يعاقبه «قيصر».
كما أن خبراء الاقتصاد يحمّلون بعض القوانين والقرارات التي صدرت في سورية مؤخراً مثل المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2020 مسؤولية الانهيار الاقتصادي الراهن، فهذا المرسوم يمنع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، ويحكم بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة على من يخالف، وهذا ما حرم السوريين في الداخل من ملايين الدولارات التي كانت تتدفق عليهم من أبنائهم في الخارج كمعونات ومساعدات لأهلهم، وتكاد تكون مصدر الدخل الوحيد لهم، كما أن الفارق الكبير في سعر العملات الصعبة بين التسعير الرسمي وبين السعر المتداول جعل الصناعيين يفضلون إغلاق مصانعهم كي لا يقعوا في خسائر ضخمة، حين يشترون المواد الخام بالسعر الحقيقي للدولار مثلاً، بينما يحاسبهم البنك المركزي بسعر وهمي منخفض.
وأتوقع أن تعيد الحكومة الجديدة النظر في هذه القوانين التي ظهرت أخطارها واضحة، فأما البعد السياسي فلا يظهر أي أفق للتفاعل معه، ومن المتوقع أن تتكيف الحكومة السورية مع تداعيات «قانون قيصر» دون أن تقبل بمطالبه، تاركة للزمن أن يتدخل بمتغيراته فتجد فرصة للنجاة من حصاره.
فأما الشعب فمن المتوقع أن يعاني من مجاعة، وقد تدنى الدخل الفردي إلى ما يعادل أقل من عشرين دولاراً شهرياً حتى لكبار الموظفين، وهناك نحو أربعة ملايين من الكوادر البشرية في الداخل باتوا عاطلين عن العمل مع توقف عجلة ما تبقى من الاقتصاد، ولن يكون سهلاً أن تلتزم دولة أو دول صديقة بالإنفاق على سوريا لسنوات مديدة، فليس بوسع روسيا أو إيران تحمل هذا العبء الضخم، ولا خلاص من هذه المأساة التي طال أمدها إلا بالتوصل إلى حل سياسي مقبول، يعيد لسوريا أمنها، وينهي الاحتلالات القائمة، ويتيح للمهجرين أن يعودوا إلى وطنهم ليبدأوا مسيرة إعادة الإعمار وهم متمتعون بحريتهم وكرامتهم.
*وزير الثقافة السوري السابق
والحقيقة أن مطالب القانون ليست سهلة على الحكومة السورية، فالقبول بها سيعني نهايتها. صحيح أن القانون لايطلب تغيير الوضع القائم في سوريا، لكن القبول بهيئة حكم انتقالي تنتقل إليها الصلاحيات التشريعية والتنفيذية سيعني نهاية عهد وبداية عهد جديد.
ويبدو من المفارقات أن سوريا وقعت في هوة عجز اقتصادي غير مسبوق، قبل أن يبدأ تنفيذ قانون «قيصر». ويرى الاقتصاديون أن سبب العجز الكبير وانخفاض سعر العملة السورية هو ما وقع في الدائرة الضيقة التي تمتلك 70% من الاقتصاد السوري من خلاف مالي كان من تداعياته توقف ما كان متبقياً من حراك اقتصادي بعد أن سحبت الأموال من البنوك وبخاصة البنوك اللبنانية التي كانت ملاذ المال السوري غير الرسمي، وتعد بمليارات الدولارات. ويظن السوريون أنها هربت من المنطقة كلها نحو أماكن آمنة، كما أن الخوف من مجريات قانون « قيصر» القادمة جعل أصحاب المال يتوقفون عن أي نشاط اقتصادي وربما بات بعضهم يفكر بطريقة للهرب والنجاة قبل أن يعاقبه «قيصر».
كما أن خبراء الاقتصاد يحمّلون بعض القوانين والقرارات التي صدرت في سورية مؤخراً مثل المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2020 مسؤولية الانهيار الاقتصادي الراهن، فهذا المرسوم يمنع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، ويحكم بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة على من يخالف، وهذا ما حرم السوريين في الداخل من ملايين الدولارات التي كانت تتدفق عليهم من أبنائهم في الخارج كمعونات ومساعدات لأهلهم، وتكاد تكون مصدر الدخل الوحيد لهم، كما أن الفارق الكبير في سعر العملات الصعبة بين التسعير الرسمي وبين السعر المتداول جعل الصناعيين يفضلون إغلاق مصانعهم كي لا يقعوا في خسائر ضخمة، حين يشترون المواد الخام بالسعر الحقيقي للدولار مثلاً، بينما يحاسبهم البنك المركزي بسعر وهمي منخفض.
وأتوقع أن تعيد الحكومة الجديدة النظر في هذه القوانين التي ظهرت أخطارها واضحة، فأما البعد السياسي فلا يظهر أي أفق للتفاعل معه، ومن المتوقع أن تتكيف الحكومة السورية مع تداعيات «قانون قيصر» دون أن تقبل بمطالبه، تاركة للزمن أن يتدخل بمتغيراته فتجد فرصة للنجاة من حصاره.
فأما الشعب فمن المتوقع أن يعاني من مجاعة، وقد تدنى الدخل الفردي إلى ما يعادل أقل من عشرين دولاراً شهرياً حتى لكبار الموظفين، وهناك نحو أربعة ملايين من الكوادر البشرية في الداخل باتوا عاطلين عن العمل مع توقف عجلة ما تبقى من الاقتصاد، ولن يكون سهلاً أن تلتزم دولة أو دول صديقة بالإنفاق على سوريا لسنوات مديدة، فليس بوسع روسيا أو إيران تحمل هذا العبء الضخم، ولا خلاص من هذه المأساة التي طال أمدها إلا بالتوصل إلى حل سياسي مقبول، يعيد لسوريا أمنها، وينهي الاحتلالات القائمة، ويتيح للمهجرين أن يعودوا إلى وطنهم ليبدأوا مسيرة إعادة الإعمار وهم متمتعون بحريتهم وكرامتهم.
*وزير الثقافة السوري السابق