سلطات إضافية لمكافحة الوباء
كما يفهم الجميع، ربما باستثناء الرئيس دونالد ترامب على ما يبدو، لا يمنح الدستور الأميركي الرئيس أي سلطة متأصلة لإغلاق أو فتح الاقتصاد في حالة طوارئ، مثل جائحة فيروس كورونا الحالية. لكن يمكن للكونجرس أن يمنح تلك السلطة للفرع التنفيذي بشكل قانوني. وهناك سبب وجيه للاعتقاد بأن الكونجرس يجب أن يفعل ذلك بالضبط، ليس من أجل ترامب الذي أظهر أنه غير قادر على توظيف ثقة الكونجرس بالشكل الصحيح، بل من أجل الرؤساء المستقبليين الذين سيكونون بالتأكيد أكثر كفاءة.
والحقيقة أن أزمة وطنية حقيقية تتطلب استجابة وطنية حقيقية. ويجب أن تكون هذه الاستجابة مركزية وتستند إلى الخبرة، وليس الحزبية. هذه الاستجابة المختلطة لفيروس كورونا، كما رأيناها عبر الولايات، كانت ضارة وغير منطقية.
وبمجرد انتهاء هذه الأزمة، سنكون بحاجة إلى تشريع جديد يوجه المسؤولين التنفيذيين المستقبليين، تشريع من شأنه أن يمكّن الرؤساء المستقبليين من العمل بشكل حاسم، ويقيدهم أيضاً، بحيث يتعين عليهم التصرف على أساس حكم منطقي ومبني على الخبرة، وليس من أجل مكسب سياسي.
فلنبدأ بالجزء الخاص بالتمكين. يمنح الدستور الكونجرس السلطة لتنظيم التجارة بين الولايات. ومنذ الثلاثينيات والأربعينيات، فسرت المحكمة العليا هذه السلطة على نطاق واسع للغاية، حيث سمحت للكونجرس بسن تشريع يؤثر حتى على السلوك على المستوى الفردي، والذي يؤثر على الاقتصاد على نطاق أوسع. وتقريباً، فإن كل قانون فيدرالي اليوم، يحكم حياتك اليومية، مستمد مما يطلق عليه «سلطة التجارة» للكونجرس.
ليس ثمة شك على الإطلاق في أن الوباء الوطني يؤثر بعمق على التجارة بين الولايات. وبالتالي، يتمتع الكونجرس بالسلطة الدستورية لتمرير القوانين التي تنظم السلوك في ظل ظروف الوباء. ويمكن للكونجرس تمرير قوانين تغلق الشركات، أو تسمح لها بإعادة فتح أبوابها. كما يمكنه إصدار قوانين تنظم السفر بين الولايات. ورغم أنه يمكن القول بأن الكونجرس يفتقر إلى السلطة لإغلاق أنظمة المدارس التي تديرها الولايات، فإنه قد يجد طرقاً مشروعة دستورياً لضمان إغلاق المدارس أثناء الأزمات، مثلاً عن طريق حظر الحركة غير الضرورية.
إن الكونجرس ليس لديه السلطة الدستورية لتمرير مثل هذه القوانين فحسب، بل لديه أيضاً السلطة كي يمنح الفرع التنفيذي سلطة صنع القرار فيما يتعلق بكيفية تنفيذ هذه القوانين.
وبالنسبة لتقييد سلطة الرئيس، لا يمكن للكونجرس مجرد التصرف بحرية مطلقة. حتى خلال فترة الركود الكبير، رأت المحكمة العليا، في قرار لم يكن حزبياً تماماً، أنه وفقاً للعقيدة الدستورية، يجب ألا يكون تفويض الكونجرس السلطة للسلطة التنفيذية مطلقاً، بل يجب أن يحتوي على مبدأ واضح حول كيفية ممارسة السلطة المخولة. وهذا التقييد أمر جيد.
وكما أظهر سلوك ترامب خلال الوباء الحالي، فإن بعض الرؤساء لا يمكن الوثوق في أنهم سيتصرفون بعقلانية، أو للمصلحة العامة الحقيقية. ومنح سلطة طوارئ مطلقة للفرع التنفيذي في حالات الطوارئ، ما هو إلا وصفة لكارثة.
والطريقة الصحيحة، لكي ينظم الكونجرس تفويض سلطات الطوارئ، هي سن القوانين التي تتطلب من الرئيس ممارسة سلطة الطوارئ خلال حدوث وباء، من خلال مسؤولي الفرع التنفيذي، الذين يديرون الوكالات والإدارات الفيدرالية، ويكونون هم أنفسهم مطالبين باتخاذ قرارات على أساس رأي معقول ويستند إلى الخبرة.
وفي الواقع، مثل هذه القوانين ستقول إنه خلال الجائحة، سيكون لمركز السيطرة على الأمراض، أو أي وكالة فيدرالية مماثلة، السلطة لتحديد وجود حالة طوارئ مرضية واتخاذ الخطوات اللازمة للسيطرة عليها. ويجب أن تتطلب القوانين التي أقرها الكونجرس، أن يتم تفسير كل قرار هام اتخذته الوكالة الفيدرالية، علناً، بعبارات شفافة وواضحة، وأن تستند إلى حكم خبير مدروس ومعلن عنه، وأن تستبعد أي اعتبارات على أساس الحزبية أو الميزة الانتخابية. وستخضع هذه القرارات، بدورها، لمراجعة قضائية عاجلة. ويمكن أن ينص القانون على أنه يجب على المحكمة قبول النتائج الواقعية للوكالة، والأخذ في الحسبان الحاجة إلى السرعة في حالة الطوارئ، لكنها يجب مع ذلك أن تدرس بدقة قرارات الوكالة، للتأكد من أنها تستند حقاً إلى حكم الخبراء، وليس إلى دوافع سياسية.
ولن يكون هناك شيء غريب دستورياً بشأن هذا التصميم. فمعظم السلطة التي يمارسها الفرع التنفيذي، بموجب تفويض من الكونجرس، تخضع لقانون الإجراءات الإدارية. وإذا استطاع الكونجرس منح هذا النوع من السلطة الطارئة للرئيس، فإنه يمكنه أيضاً توجيهه بشأن كيفية ممارسة ذلك. وخلافاً لمعتقدات ترامب، فإن السلطة التي يمنحها الكونجرس للرئيس تحديداً، ليست مطلقة بأي حال من الأحوال.
ومن المفهوم أن نقاد الرئيس، وأنا منهم، قد يعتقدون أنه لا ينبغي منح أي رئيس سلطات طارئة من النوع الذي سيحاول ترامب نفسه إساءة استخدامها. والليبراليون الذين يحبون الفيدرالية، هم فئة صغيرة معظم الوقت، لكن لا يوجد شيء مثل رئيس محافظ يضخم صفوفهم.
بيد أنه سيكون خطأً طويل الأمد أن يرفض الليبراليون سلطة رئاسية قوية ومقيدة لمعالجة الأوبئة، لمجرد أن أداء ترامب لم يرُق لهم. ولا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن يكون لدى أمة موحدة تواجه أزمة وطنية، 50 استجابة مختلفة، بدلاً من استجابة واحدة منسقة. وتعتبر مجموعات عمل المحافظين، التي تم الإعلان عنها يوم الاثنين، خياراً احتياطياً، وليس الأفضلية الأولى.
يوفر الدستور حلاً سليماً تماماً: تفويض الكونجرس للسلطة الرئاسية يخضع لقيود الخبرة والحكم المنطقي. يجب أن نتعلم هذا الدرس من هذه الأزمة، ونستعد لتجنب الأزمة التالية.
*أستاذ القانون بجامعة هارفارد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»