أكرم ألفي - شعبان بلال (القاهرة)
نورث كارولينا «مترددة» في انتخابات الرئاسة الأميركية، هذه الجملة في ذاتها خبر صحفي غريب، فهذه الولاية التي ضمن «حزام الشمس» الذي عادة ما كانت تشرق منه شمس الرئيس الجمهوري في الانتخابات غير المحسومة سلفاً.
إن تحول نورث كارولينا إلى ولاية متأرجحة بشدة في انتخابات 2024 هو التعبير الأوضح عن ماذا فعلت التغيرات السكانية في التوجهات السياسية للولايات الأميركية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فهذه الولاية التي كان يمثل فيها البيض أكثر من 70% في 2020، تراجعت النسبة إلى 60% في 2024 في مقابل ارتفاع نسبة اللاتينيين «الهسبانيك» من 4.8% فقط إلى 11.4% خلال 24 عاماً.
هنا في نورث كارولينا «جنة» الهسبانيك الجديدة تغيرت المعادلة السكانية من هيمنة مطلقة للرجل الأبيض إلى ولاية متعددة الإثنيات تحقق نجاحات اقتصادية كبيرة بسب جاذبيتها للمهاجرين الشرعيين بحيث كانت ضمن ولايات قليلة ارتفع فيها عدد السكان عن 10 ملايين نسمة بنسبة نمو سكاني بلغت 4% بسبب القادمين الجدد من اللاتينيين.
نورث كارولينا كسبت كثيراً من القادمين الجدد فقد بلغ عدد سكانها 10.8 مليون نسمة وارتفع نصيبها في المجمع الانتخابي من 15 صوتاً إلى 16 صوتاً «من إجمالي 538 صوتاً»، ولكن في المقابل، فإن هذه الرياح عصفت بسفينة «الجمهوريين» السياسية المستقرة في الولاية.
منذ 1980 والجمهوريون يسيطرون على الولاية باستثناء انتخابات باراك أوباما «الاستثنائية» في 2008، فهي انحازت دائماً للون الأحمر ومنحت أصواتها لترامب في 2016 و2020، ولكن الوضع تغير في 2024.
عبر 4 سنوات فقط انخفض نسبة البيض من 63% إلى 60% وارتفع نسبة الهسبانيك من 10% إلى 11.4% وبلغت نسبة ذوي الأصول الأفريقية 21% وارتفعت نسبة الأميركيين من أصول آسيوية إلى 3.6%.
ولفهم تأثير هذه التغيرات على الخريطة الانتخابية في نورث كارولينا، علينا إدراك أن ترامب فاز بانتخابات 2020 على بايدن بالولاية بفارق 1.3%، ومع انخفاض نسبة البيض بنسبة أكبر من 3%، فإن الهامش أصبح ضيقاً للغاية ولا يزيد في الاستطلاعات عن 0.2%، وهو يعني أن انتخابات الولاية «الحمراء» السابقة ستحسمها أصوات أقل من 10 آلاف ناخب!
وبحسب كالفين دارك، خبير الحملات والانتخابات الأميركي، وهو أميركي من شمال كارولينيا، فإن نائبة هاريس لديها فرصة حقيقية للفوز بهذه الولاية المتأرجحة الحاسمة لثلاثة أسباب، الأول أن بايدن خسر ولاية كارولينا الشمالية بنحو 1% فقط، كما أن هاريس أكثر شعبية من بايدن في الولاية، والثاني هو أن الولاية تضم أكبر عدد من الطلاب الأميركيين من أصل أفريقي مقارنة بأي ولاية في البلاد، موضحاً أن حملة هاريس ركزت على تعبئة هؤلاء الناخبين الشباب المهمين.
والسبب الأخير بحسب دارك هو أن المرشح الجمهوري لمنصب حاكم ولاية كارولينا الشمالية، مارك روبنسون، مثير للجدل للغاية وقد يدفع بعض الجمهوريين إلى البقاء في منازلهم، مضيفاً أن كل هذه الأسباب تمنح حملة هاريس أملاً حقيقياً في أن يتمكنوا من الفوز بولاية نورث كارولينا كما فعل باراك أوباما في عام 2008.
ويوضح استطلاع رأي لمؤسسة «ريدفيلد آند ويلتون»، أن قضية الاقتصاد تحتل المرتبة الأولى في اهتمامات سكان نورث كارولاينا، يليها بفارق كبير أسعار المساكن المرتفعة، ثم قضية الهجرة، ثم الإجهاض.
وعلى عكس ذلك، رأى المحلل السياسي الأميركي توت بيلت أن ولاية كارولينا الشمالية بدت وكأنها تلعب دوراً لصالح هاريس عندما أعلنت لأول مرة وتولت المسؤولية من حملة بايدن، لكن منذ الإعصار الذي ضرب الولاية فهناك الكثير من الاستياء من استجابة إدارة بايدن لحالات الطوارئ، في مقابل مضي ترامب قدماً.
وأضاف في تصريح لـ «الاتحاد»، أن حملة هاريس ألغت جميع إعلاناتها في الولاية، مما يشير إلى أنهم لا يعتقدون أنهم سيكونون قادرين على الفوز بها.
ومن جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن الدكتور نبيل ميخائيل أن ولاية كارولينا الشمالية ربحها الرئيس ترامب في عامي 2016 و2020 وهي واحدة من ولايات الجنوب العميق ومصنفة أيضاً بأنها تدخل في حزام «الإنجيل» ما يعني وجود الكثير من المتدينين ما يجعل قضية الإجهاض حاسمة في كيفية تصويت ناخبي هذه الولاية.
وأشار إلى أنها من الولايات الجنوبية التي شهدت تغيرات اقتصادية واجتماعية وديموغرافية هائلة فقد نمت عدة مدن فيها لتصبح مراكز حضارية ممتدة تشمل العديد من ذوي الأصل الأفريقي والأقليات والشباب وهم ليسوا من أصحاب الفكر المحافظ الذي يعتمد عليه الحزب الجمهوري، لكن رغم ذلك توقع فوز ترامب في هذه الولاية.
ولفت إلى أن هناك انتخابات تجري على مستوى آخر وهي انتخابات الحاكم، فمرشح الحزب الجمهوري رجل من ذوي أصول أفريقية يشغل منصب نائب رئيس الحاكم وأطلق عدة تعليقات اعتبرت غير لائقة، لكن رغم ذلك يحتفظ الجمهوريون بتفوقهم وتم تطهير سجلات الانتخابات من عدد كبير من الأصوات المشكوك فيها مما يزيد من فرص ترامب بها.
وانضمت ولاية كارولينا الشمالية، إحدى المستعمرات الثلاث عشرة الأصلية، إلى الاتحاد في نوفمبر 1789. ولم تشارك الولاية في انتخابات عام 1864 بسبب الانفصال.
ومثلها كمثل العديد من الولايات الجنوبية الأخرى، صوتت الولاية بشكل شبه حصري للديمقراطيين من 1876 حتى 1964 وصوتت بشكل شبه حصري للجمهوريين بدءاً من 1968.
وكان التحول الأولي إلى حد كبير استجابة لعدم ارتياح الناخبين المحافظين البيض لقانون الحقوق المدنية الذي صدر في منتصف الستينيات، والذي استغله الجمهوريون بفعالية «الاستراتيجية الجنوبية».
وفي عام 2008، عكس باراك أوباما اتجاه هيمنة الجمهوريين فهزم جون ماكين بنحو 14000 صوت من أصل 4.3 مليون صوت.
فهل تفعلها هاريس وتفوز بأصوات نورث كارولينا في المجمع الانتخابي مستفيدة من اتجاه رياح الديموغرافيا لصالح الديمقراطيين في هذه الولاية؟