أحمد عاطف (القاهرة)
تستعد مدينة قزان الروسية لاستضافة القمة الدورية لمجموعة «بريكس» الشهر الحالي، وسط توقعات بأن تشهد القمة اختلافاً عن القمم السابقة عقب انضمام خمس دول ذات ثقل اقتصادي وجيوسياسي كبير في مقدمتها الإمارات، ومصر والسعودية ليصبح عدد أعضاء التكتل 10 دول.
وكان هذا هو التوسع الثاني فقط منذ انضمام جنوب أفريقيا عام 2010 بعد أن تأسس التحالف عام 2009 من قبل الدول المعروفة باسمه وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، وهي من أبرز التكتلات الاقتصادية التي تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي.
وتتولى روسيا رئاسة المجموعة خلال 2024 خلفاً لجنوب أفريقيا، تحت شعار «تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين» وتخطط لزيادة دور مجموعة البريكس في النظام المالي الدولي، ومن المرجح أن تزداد الأهمية العالمية لمجموعة «بريكس» في المستقبل، حيث أعربت حوالي 34 دولة أخرى عن اهتمامها بالانضمام.
ووصف محللون وجود الإمارات ضمن مجموعة بريكس بالخطوة الاستراتيجية الكبرى التي تعزز مكانتها الدولية في الساحة الاقتصادية والسياسية، وتوفر لها فرصاً اقتصادية واستثمارية هائلة وتكرس من دورها الريادي في العالم العربي وعلى الصعيد الدولي.
قوى عالمية
يكتسب تكتل بريكس أهميته من كونه يجمع قوى عالمية رئيسة مثل الصين وروسيا ودولاً ذات تأثير كبير في قاراتها مثل جنوب أفريقيا والبرازيل، ومع انضمام الأعضاء الجدد يصبح العدد الإجمالي للسكان التكتل حوالي 3.5 مليار نسمة ما يعادل 45 في المئة من سكان العالم.
وقال إيثان دي إيسنر خبير الاقتصاد السياسي الأميركي إن انضمام الإمارات لمجموعة بريكس يفتح أبواباً أوسع للتعاون مع الدول الأعضاء في المجموعة التي تمتلك أسواقاً ضخمة وموارد طبيعية هائلة، مما يعزز تنويع العلاقات الاقتصادية والتجارية، مؤكداً سعي الإمارات الدائم لتعزيز التعاون مع الاقتصادات المتقدمة والناشئة.
وأضاف دي إيسنر لـ«الاتحاد» أن الإمارات تمتلك اقتصاداً متنوعاً يعتمد على قطاعات حيوية مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والسياحة، والخدمات المالية، موضحاً أن وجود الدولة في مجموعة بريكس سيفتح لها آفاقاً جديدة لتعزيز هذه القطاعات، ويجعلها مركزاً مالياً وتجارياً لدول بريكس في منطقة الشرق الأوسط.
وتابع: «تستطيع الإمارات الوصول إلى مشاريع اقتصادية ضخمة تعتمد على الابتكار والتكنولوجيا، خاصةً من الصين والهند اللتين تعتبران من الدول الرائدة في هذا المجال، إلى جانب أن التعاون في مجالات الطاقة النظيفة، والتكنولوجيا المتقدمة، والذكاء الاصطناعي سيمنح الإمارات فرصة لتعزيز قدراتها التكنولوجية والاقتصادية».
وحسب خبير الاقتصاد الدولي فإن الإمارات تعمل باستمرار على تعزيز حضورها الدولي ليس فقط من خلال سياساتها الاقتصادية بل أيضاً عبر المبادرات الإنسانية والدبلوماسية، لذلك يعزز وجودها في مجموعة بريكس هذا الدور ويوفر لها منصة أوسع لتبادل الآراء مع القوى الناشئة حول القضايا الدولية الكبرى مثل التغير المناخي، الأمن الغذائي وإصلاح النظام المالي العالمي. وتبلغ قيمة اقتصادات الأعضاء مجتمعة أكثر من 28.5 تريليون دولار أي حوالي 28 % من الاقتصاد العالمي وتمتلك 36 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و25 % من التجارة العالمية.
وكانت دول بريكس قد أنشأت في عام 2014 بنك التنمية الجديد لتمويل مشاريع البنية التحتية، وبنهاية عام 2022 قدّم البنك حوالي 32 مليار دولار لدعم الدول الناشئة لتنفيذ مشاريع مثل الطرق والجسور والسكك الحديدية وإمدادات المياه.
تكتل ذو وزن
ويمكن لـ«بريكس» أن تكون ذات تأثير عالمي في عدة مجالات أبرزها الطاقة فالتكتل يجمع بعض أكبر منتجي الطاقة في العالم وأكبر المشترين، حيث تنتج الدول الأعضاء حوالي 32 % من إنتاج العالم من الغاز الطبيعي.
كما تمثل دول «بريكس» 38 % من واردات البترول العالمية بقيادة الصين والهند.
ويرى أحمد أبوعلي، الخبير الاقتصادي أن انضمام دول جديدة إلى تكتل البريكس يُعد خطوة إيجابية للغاية، لأن أي تكتل اقتصادي يستمد قوته من حجم وعدد الدول الأعضاء فيه، وخاصة قوة تلك الدول الاقتصادية وتنوع اقتصادياتها وتنوعها جغرافيا أيضاً.
وأضاف أبوعلي لـ«الاتحاد» أن الإمارات دولة ذات اقتصاد متنوع وتلعب دوراً مهماً كمركز للتجارة والمال في الشرق الأوسط والعالم، وهذا ينعكس بشكل كبير في حجم الاستثمارات الأجنبية التي تتدفق إلى الإمارات في جميع القطاعات.
وأوضح أن البيئة الاقتصادية في الإمارات تشهد تطوراً هائلاً وهذا يجعلها محفزاً أساسياً داخل البريكس، كما سيكون للانضمام تأثير إيجابي على دول أخرى مثل مصر من حيث تعزيز التجارة البينية وجذب الاستثمارات الأجنبية.
وذكر أن «تكتل البريكس اكتسب ثقلاً سياسياً واقتصادياً كبيراً، خصوصاً بعد التغيرات الاقتصادية العالمية الأخيرة وما يزيد من ثقله أن دول البريكس هي اقتصادات كبرى ذات تنوع اقتصادي كبير، مما يجعل التكامل الاقتصادي داخل التكتل أمراً واعداً». وتوقع الخبير الاقتصادي أن تكتل البريكس سيكون له دور كبير أكثر وضوحاً في الاقتصاد العالمي خلال الفترة القادمة، وانعكاسات قوية على المشهد الاقتصادي العالمي.
نقلة نوعية
وقال علي الإدريسي الخبير الاقتصادي إن انضمام دول جديدة إلى مجموعة «بريكس»، يُحدث تحولاً نوعياً في مسيرة المجموعة، حيث يزيد من تنوعها الجغرافي والاقتصادي ويمنحها نطاقاً أوسع للتأثير في الاقتصاد العالمي، خاصة أن الخمس دول ذات ثقل اقتصادي وجيوسياسي في مقدمتهم الدول العربية الثلاث الإمارات والسعودية ومصر.
وأضاف أن انضمام الدول الجديدة للمجموعة يمثل فرصة لتوسيع نطاق التعاون في مجالات التجارة والتمويل، ويضيف قوة جديدة إلى المجموعة من خلال تسهيل التدفقات المالية والاستثمارات بين الدول الأعضاء، كما يمكن من تبادل الخبرات والتجارب.
واستطرد: «بالإضافة إلى ذلك فإن انضمام دول جديدة يتيح للمجموعة زيادة نفوذها السياسي حيث يُمكنها التحدث بصوت موحد أكثر قوة في القضايا الدولية المهمة مثل إصلاح النظام المالي العالمي، التغير المناخي، وتعزيز دور الاقتصاديات الناشئة في صنع القرار الدولي».
وتأتي التجارة كمحرك رئيسي لتطور «بريكس» فقد تضاعفت حصة التجارة العالمية في السلع المتداولة بين أعضاء المجموعة الحالية إلى 40 %، بين عامي 2002 و2022، ليصبح هذا الاتجاه أكثر وضوحاً عند النظر إلى اعتماد اقتصادات «بريكس» المتزايد على التجارة مع أعضاء المجموعة.
ومن المرجح أن تشهد أسواق «بريكس» نمواً كبيراً خلال العقد المقبل خاصة أنها تتمتع بالفعل بتجارة متزايدة بين أعضائها، كما قد تصبح تلك الأسواق بوابات رئيسية للشركات التي تسعى للتوسع في أسواق ناشئة أخرى.
كما أنه من المتوقع أن تجذب دول «بريكس» استثمارات كبيرة في البنية التحتية، مما سيحسن بيئة الأعمال، ويدعم الترابط بين الأسواق.