أكرم ألفي (القاهرة)
يواصل معدن الذهب ارتفاعاته، مختبراً مستوى 2.500 دولار للأوقية في بداية تعاملات الأسبوع الحالي قبل أن يتراجع إلى نحو 2460 دولاراً، وهو ما أرجعه بعض المحللين إلى مخاوف الأسواق العالمية من صعود المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في استطلاع الرأي، وتفوقها على منافسها الجمهوري دونالد ترامب.
«الذهب يحب الديمقراطيين».. هذه الجملة يعرفها عن ظهر قلب خبراء الاقتصاد السياسي، فتاريخياً يحقق الذهب عوائد أعلى في المتوسط في ظل اتجاه الانتخابات لمصلحة المرشح الديمقراطي، مقارنة بالانتخابات التي يفوز بها المرشح الجمهوري، حيث يرتفع سعر الذهب بمتوسط 20.9% في ظل الرئيس الديمقراطي مقابل 3.9% فقط في ظل الجمهوريين، وربما كان الاستثناء هو رئاسة دونالد ترامب الأولى.
ويرجع ذلك إلى أن الحزب الديمقراطي يميل أكثر إلى زيادة الإنفاق الحكومي، وبالتالي يزيد من حجم الديون، وهو ما يضعف الدولار ويقوي الذهب كأداة تحوط للحفاظ على الثروة في مواجهة التضخم. وكان ترامب استثناء جمهورياً بسبب إقدامه على خفض الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي بشكل غير مسبوق مقارنة بأي رئيس جمهوري سابق.
وتقول المحللة السياسية الأميركية إيرينا تسوكرمان لـ«الاتحاد»: «إن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الانتخابات الرئاسية الأميركية وارتفاع سعر الذهب العالمي، ويمكن تفسير هذا الارتباط بعوامل عدة، منها: عدم اليقين السياسي والاقتصادي، فخلال فترة الانتخابات الرئاسية يكون هناك عدم يقين بشأن السياسات الاقتصادية المستقبلية التي قد تؤثر على الأسواق المالية، هذا القلق يدفع المستثمرين للجوء إلى الذهب كملاذ آمن، مما يزيد من الطلب عليه ويرفع سعره».
وأضافت أنه فيما يتعلق بسياسات الفيدرالي الأميركي، فإن الانتخابات تؤثر على التوقعات بشأن سياسات «الفيدرالي» المتعلقة بأسعار الفائدة. وإذا توقع المستثمرون أن الإدارة الجديدة ستتبنى سياسات تؤدي إلى تضخم أعلى أو أسعار فائدة منخفضة، فقد يرتفع سعر الذهب لأن الذهب وسيلة تحوط ضد التضخم.
وأشارت تسوكرمان إلى أن الانتخابات تؤثر على سوق العملات وتؤدي إلى تقلبات في قيمة الدولار الأميركي، نظراً لأن الذهب يُسعِّر بالدولار، فإن ضعف الدولار يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع سعر الذهب، وتؤثر نتائج الانتخابات على السياسات التجارية والعلاقات الدولية، وهو ما قد يؤثر على الأسواق العالمية بشكل عام ويدفع المستثمرين نحو الذهب، لذلك، بينما لا توجد قاعدة ثابتة تقول بأن الانتخابات الأميركية دائماً ترفع سعر الذهب، إلا أن الأحداث المحيطة بالانتخابات غالباً ما تخلق بيئة تزيد من جاذبية الذهب كأصل آمن.
وزاد صعود أسهم كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية من دوافع شراء المستثمرين للذهب في الأسواق كبديل عن شراء السندات والاحتفاظ بالدولار، فالأسواق تدرك أن هاريس ستسعى إلى زيادة الإنفاق الحكومي، ومع مؤشرات خفض الفائدة، فإن الرياح القادمة ستكون لمصلحة المعدن الأصفر.
وفي 2016، قاد فوز ترامب إلى انخفاض الذهب إلى 1128 دولاراً للأوقية قبل أن يعود إلى 1200 دولار عقب توليه منصبه، لكن الذهب واصل ارتفاعه بسبب أزمة «كوفيد» ليصل إلى 1800 دولار. في المقابل، ارتفع الذهب إلى 1950 دولاراً للأوقية عقب إعلان فوز بايدن بانتخابات 2020، ليواصل ارتفاعه إلى 2450 دولاراً في 20 مايو 2024. وهو ما يرجع بالأساس للحرب في أوكرانيا إلى جانب عمليات شراء الفيدرالي الأميركي للذهب في فترة بايدن.
ونفى البعض هذه العلاقة بين الانتخابات الأميركية وسعر الذهب. وقلل أشلي أنصاره، المتخصص في الشؤون الأميركية، من قوة العلاقة بين الانتخابات الرئاسية وارتفاع أسعار الذهب، قائلاً: «إن ما يجب أن ندركه هو أن أسعار الذهب ارتفعت بشكل ملحوظ بسبب وجود سوق منافسة قوية اليوم، حيث ترغب دول مثل الصين، الهند، روسيا، وبولندا وغيرها في شراء الذهب. والسبب في ذلك يعود إلى أن الذهب يعتبر علامة على اقتصاد قوي، خاصة مع تراجع قيمة الدولار. لذلك، إذا كنت تمتلك عملة صعبة بالدولار، ينبغي عليك استبدال حوالي 25% منها بالذهب».
من جهته، قال المتخصص في الشؤون الأميركية محمد الهندي: «إن تأثير الانتخابات الرئاسية الأميركية على سعر الذهب يمكن تقسيمه إلى عوامل اقتصادية محددة عدة، منها التوقعات الضريبية؛ فالانتخابات الرئاسية غالباً ما تكون مرتبطة بتوقعات حول السياسات الضريبية الجديدة».
وقال: «إن الانتخابات تؤدي إلى تغيرات طويلة الأمد في قيمة الدولار بناءً على السياسات المتوقعة للإدارة الجديدة». ولفت إلى أن ارتفاع العجز الحكومي أو تقليص دور الولايات المتحدة في التجارة العالمية قد يضعف الدولار على المدى الطويل، ما يعزز سعر الذهب، بالإضافة إلى ذلك فإن الانتخابات لا تؤثر فقط على الاقتصاد المحلي ولكن على السياسات الخارجية أيضاً. وذكر أن القرارات المتعلقة بالتحالفات الدولية أو السياسات العسكرية قد تزيد من التوترات الجيوسياسية، مما يدفع المستثمرين للبحث عن الذهب كملاذ آمن.