دينا محمود (لندن)
عبر استراتيجية شاملة متعددة المسارات ترمي لمواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه وتقديم كل ما يلزم من مؤازرة ومساندة لضحاياه، باختلاف جنسياتهم وأعراقهم ومعتقداتهم، تحيي دولة الإمارات العربية المتحدة، جنباً إلى جنب مع دول العالم الأخرى، غداً الأربعاء، «اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب وإجلالهم»، الذي يحل في الـ21 من أغسطس من كل عام.
فحتى قبل استحداث هذه المناسبة السنوية، بموجب قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2017، من أجل تكريم من أُزْهِقَت أرواحهم جراء الهجمات الإرهابية ودعم الناجين منها وتعزيز تمتعهم الكامل بحقوقهم وحرياتهم الأساسية، تضطلع دولة الإمارات ذات الموقف الراسخ والثابت في مواجهة آفة الإرهاب أينما وُجِدَت، بدور جوهري، على صعيد مد يد العون إلى ضحاياها، وتمكينهم من نيل حقوقهم وتلبية احتياجاتهم.
موقف راسخ عابر للأجيال
وينبع ذلك الدور المتفرد على الساحتين الإقليمية والدولية، من موقف الإمارات الثابت في رفض الإرهاب والتطرف، والذي أرسى قواعده القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ووطد دعائمه من بعده، قائد مرحلة التمكين المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، ويرسخه حالياً بحكمة واقتدار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.
ومن هذا المنطلق، تحرص الإمارات بمختلف مؤسساتها، على تعزيز جهود المجتمع الدولي، الرامية لمساعدة ضحايا الإرهاب والناجين منه، لإسماع أصواتهم للعالم، والحيلولة دون أن يسقطوا في غياهب النسيان أو الإهمال، بمجرد تلاشي الأثر الفوري للاعتداءات الإرهابية التي تعرضوا لها، وما يصاحب ذلك عادة من تبدد الاهتمام الإعلامي والرسمي، الذي حظوا به عند وقوع تلك الهجمات.
ولم تدخر دولة الإمارات وسعاً في دعم ضحايا الإرهاب، والجهات والهيئات المعنية بتوفير العون لهم، اجتماعياً وقانونياً، مثلما حدث مع فريق «يونيتاد» التابع للأمم المتحدة، الذي شُكِّلَ عام 2017، لتعزيز المساءلة عن الجرائم، التي ارتكبها تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق.
بجانب ذلك، تلعب الدولة دوراً محورياً في العمل على بلورة إطار تشريعي على الساحة الدولية، يختص بالحق في تعويض ضحايا الإرهاب، وحماية حقوقهم وضمان الوفاء بما لديهم من احتياجات، وذلك عبر المشاركة في النقاشات التي تُجرى لهذا الغرض، ومن بينها اجتماع دولي، عُقِدَ على ذلك الصعيد، في أواخر 2020.
وبمشاركة إماراتية فاعلة، استعرض هذا الاجتماع أهم التحديات، التي تواجه التوافق على التعويضات، التي يتعين تقديمها لضحايا الإرهاب، وأيضاً اعتمادها ووضع كل ذلك موضع التطبيق في نهاية المطاف.
كما تناول المشاركون فيه، الاقتراحات العملية الرامية لوضع ما وصفه خبراء قانونيون، بـ«أحكام تشريعية نموذجية»، تتعلق بحق المتضررين من الهجمات الإرهابية في التعويض، وجبر الضرر الواقع عليهم، وتسهيل عودتهم إلى حياتهم الطبيعية.
وفي سياق العمل الإماراتي الدائب على هذا المضمار، كانت الدولة سباقة في ترميم الإرث الثقافي والإنساني، الذي دمرته التنظيمات الإرهابية في دول مختلفة، وهو ما تجلى في إسهامها، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، في إعادة بناء مواقع تاريخية ومقدسة، سعى إرهابيو «داعش» إلى تخريبها وهدم بنيانها في العراق، ومن بينها جامع «النوري» وكنيسة «الطاهرة» بمدينة الموصل.
كما قدمت الإمارات ملايين الدولارات، لإعادة تأهيل ما طاله دمار الجماعات الإرهابية في سوريا كذلك، وذلك في جهود تلقى على الدوام قدراً هائلاً من العرفان والاحترام والتقدير، من جانب دول العالم والمنظمات الدولية ذات الصلة، ما بوأ الدولة مكانة رفيعة، على قائمة البُلدان ذات الإسهام المتميز، في دعم ضحايا العمليات الإرهابية، وتقديم كل أوجه المساعدة لهم.
دور إماراتي حاسم
ومن خلال نشاطها المكثف في أروقة الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها، خاصة في أثناء عضويتها بمجلس الأمن الدولي ممثلة للمجموعة العربية عاميْ 2022 و2023، أسهمت دولة الإمارات بشكل حاسم، في دعم جهود تنفيذ الاستراتيجية الأممية لمكافحة الإرهاب، التي تُعنى في جانب منها بالتضامن مع ضحايا الاعتداءات الإرهابية، والمساعدة في بناء قدراتهم، وإنشاء ودعم شبكات لمنظمات المجتمع المدني، خاصة الجمعيات المعنية بتعزيز حقوق هؤلاء الضحايا.
وتشدد هذه الاستراتيجية، التي تم اعتمادها بتوافق الآراء في عام 2006، على أن من بين الأسباب التي تفضي لانتشار الإرهاب، تجريد ضحاياه من إنسانيتهم، مؤكدة أهمية الدور الذي يضطلع به هؤلاء الضحايا، في التصدي للإرهاب ومكافحة التطرف العنيف، سواءً بسواء.
ويجمع الخبراء والمراقبون، على أن المبادرات الإماراتية المتواصلة على صعيديْ مكافحة الإرهاب ودعم المتضررين منه، لا غنى عنها، لتحقيق ما كانت تتوخاه الأمم المتحدة، حينما خصصت قبل نحو 7 سنوات، يوماً سنوياً مخصصاً لتكريم ضحايا الإرهاب ومساندتهم.
فقد استهدفت تلك الخطوة تمكين أولئك الأبرياء من التعافي بشكل كامل، مما لحق بهم من أذى وضرر، على يد تنظيمات الدم والعنف، وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع، عبر مد يد العون لهم، على الأصعدة البدنية والنفسية والاجتماعية والمالية، بما يتيح لهم الفرصة، للعيش بكرامة من جديد.
وبحسب الخبراء، ترتبط هذه المبادرات بشكل وثيق، برؤية دولة الإمارات وقيادتها الرشيدة للإرهاب، باعتباره «ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود والثقافات والأديان»، وإدراكها أن محاربته تستدعي تضافر الجهود التي تبذلها مختلف الأطراف، ليس في المجال العسكري وحده، وإنما بسبل متعددة، على ضوء كونه وباءً معقداً ومتعدد الأوجه، ينبغي على العالم معالجة جذوره، ومكافحة عمليات التجنيد التي تجري في إطاره، والمشاركة الفعالة في المجتمع، لتحصينه من ذلك الداء العضال.
مواجهة استباقية
وفي إطار مساعيها للحد من مخاطر الإرهاب والحيلولة دون اتساع رقعة انتشاره وتقليص حجم خسائره وعدد ضحاياه بالتبعية، تكثف دولة الإمارات جهودها الوقائية، لكبح جماح ذلك التهديد العالمي، عبر ما أنشأته من مراكز بحثية متعددة، تتولى رصد توجهات التنظيمات الإرهابية وتحليلها بدقة، ما يسهم في تقليص خطرها، وذلك جنباً إلى جنب مع انخراط الدولة في المواجهة المباشرة للإرهابيين، بالتعاون مع شركائها الإقليميين والدوليين.
ومن بين أبرز هذه المؤسسات مركز «التميز الدولي لمكافحة التطرف العنيف»، المعروف بـ«هداية»، والذي دُشِنَ في عام 2012.
فذلك المركز يُعنى بإقامة شراكات مع مؤسسات عدة، تعمل على مواجهة هذا النوع من التطرف، من خلال التركيز على مجالات، على رأسها دعم ضحايا الإرهاب، وتفعيل دور الدبلوماسية الرياضية والثقافية، ونبذ الراديكالية في السجون، بالإضافة إلى مكافحة التطرف العنيف عبر المناهج التربوية.
وانسجاماً مع حرص الإمارات على تنسيق جهودها لمحاربة الإرهاب ودعم ضحاياه مع مساعي المجتمع الدولي في هذا الصدد، تأسس مركز «هداية»، بالشراكة مع المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، وهو مركز دولي يُعنى بالتدريب والحوار والأبحاث والتعاون في مجال مكافحة التطرف العنيف، وتشكل الدولة أحد أعضائه المؤسسين.
وعلى صعيد الوقاية من خطر الإرهاب وتقليل عدد ضحاياه المحتملين كذلك، أطلقت دولة الإمارات بالتعاون مع الولايات المتحدة، في منتصف عام 2015 «مركز صواب»، وهو عبارة عن مبادرة تفاعلية للتراسل الإلكتروني، تهدف إلى إيصال أصوات الملايين من البشر في جميع أنحاء العالم، ممن يرفضون الممارسات الإرهابية، ويقفون في مواجهتها.
ويعمل المركز على الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، لتصويب الأفكار الخاطئة والمغلوطة، وإتاحة مجال أوسع تُسمع فيه الأصوات المعتدلة.
كما يتواصل مع الجمهور العام عبر الشبكة العنكبوتية، لمواجهة الادعاءات الكاذبة وتفنيدها، والتفسيرات الدينية الخاطئة التي ينشرها المتطرفون.
ويندرج في السياق نفسه، إطلاق دولة الإمارات عام 2017 لـ«المعهد الدولي للتسامح»، بهدف بث روح التسامح في المجتمع، وترسيخ مكانة الدولة إقليمياً ودولياً، كنموذج يُحتذى به في هذا الشأن، فضلاً عن توطيد دعائم ثقافة الانفتاح والحوار الحضاري، ونبذ التعصب والتطرف والانغلاق، وكل مظاهر التمييز بين البشر، على أساس الدين أو الجنس أو العرق أو اللون أو اللغة.
وتصب هذه التحركات الإماراتية المكثفة، والتي تشمل كذلك تضييق الخناق على ممولي التنظيمات الإرهابية ونشر قيم التعايش السلمي والتآخي في الإقليم والعالم أجمع، في خانة المواجهة الاستباقية للإرهاب، بما يعزز في الوقت نفسه، بشكل فعال وغير مباشر، الجهود الدولية الهادفة، لمعالجة آثار الهجمات الإرهابية، سواء على الضحايا الأفراد المتضررين منها، أو على المجتمعات التي يستهدفها هذا الخطر العابر للحدود، لا سيما الفئات المجتمعية الأكثر هشاشة، مثل النساء والأطفال وكبار السن.