دينا محمود (لندن)
يفرض إعلان مالي والنيجر وبوركينا فاسو أواخر الشهر الماضي انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعروفة باسم «إيكواس»، تحدياً خطيراً على هذا التكتل الإقليمي، وتزايدت في السنوات الأخيرة المصاعب التي تواجهه على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية.
فخطوة الانسحاب التي أعقبت إبرام الدول الثلاث اتفاقاً أمنياً مشتركاً في سبتمبر من العام الماضي، تشكل وفقاً لخبراء الشؤون الأفريقية، الأزمة الأكبر التي تعترض طريق «إيكواس»، منذ إنشائها عام 1975، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، بين دول غرب القارة السمراء.
وحذر هؤلاء الخبراء من أن الانسحاب الذي اعتبره بعضهم بمثابة «بريكست» على الطريقة الأفريقية، قد يُذكي الاضطرابات القائمة من الأصل في المنطقة، لا سيما وأنه ترافق مع توجيه قادة مالي والنيجر وبوركينا فاسو اتهامات لـ «إيكواس»، بالفشل في تقديم الدعم لدولهم، في حربها ضد تنظيميْ «القاعدة» و«داعش» الإرهابييْن.
كما شملت اتهامات البُلدان الثلاثة، وهي كلها حبيسة وتقع في منطقة «الساحل» المضطربة، القول: إن هذه المجموعة الإقليمية، فرضت عقوبات اقتصادية «لا عقلانية وغير مقبولة عليها»، بعد الانقلابات العسكرية، التي شهدتها خلال السنوات الأربع الماضية.
وشدد الخبراء على أن خروج مالي والنيجر وبوركينا فاسو من «إيكواس» سيُحدث إرباكاً لحركة التجارة ونقل البضائع وتنقل الأفراد على نحو أكبر، بين البلدان الـ 15 الأعضاء، التي تمتد على مساحة تزيد على خمسة ملايين كيلومتر مربع، وتضم عدد سكان يفوق 424 مليون نسمة.
وأشاروا إلى أن تخفيف التبعات المحتملة للصدع الراهن في جدران ذلك التجمع، يتطلب من قادته تذكر أن الهدف الرئيس الذي شُكِلَ لأجله، تمثل في تعزيز التنمية والتكامل على الصعيد الاقتصادي بين الدول الأعضاء فيه، وليس التعامل مع الملفات السياسية والأمنية، ومسائل التحول الديمقراطي في هذه البلدان.
ويستلزم ذلك، وفقاً لتصريحات نشرها موقع «ذا مونيتور» الإلكتروني الإخباري المعني بشؤون أفريقيا، أن تولي الدول الرئيسة الأعضاء في المجموعة، مزيداً من الاهتمام لتذليل العقبات، التي تحول دون اندماج بُلدن غرب أفريقيا اقتصادياً، وتفعيل السبل التي تفضي لتوطيد الأواصر، بينها وبين بعضها بعضاً.
ويدعو خبراء الشأن الأفريقي قادة «إيكواس»، إلى تبني نهج أكثر عملية للتعامل مع الانقلابات العسكرية، التي وقعت في عدد من دول المنطقة في الفترة الأخيرة، بما ينطوي على إمكانية الانخراط في مفاوضات، تتمخض في نهاية المطاف عن إطلاق عمليات تحول ديمقراطي، قد تستمر ما بين سنتين أو ثلاث سنوات، وذلك إذا لم تُجْدِ العقوبات التي فرضتها المجموعة في هذا الصدد نفعاً.
وتبدو مثل هذه الحلول ذات الطابع البراجماتي أمراً لا غنى عنه، بالنسبة لمنطقة «الساحل الأفريقي»، التي تسيطر الجماعات الإرهابية على مساحات واسعة من أراضيها، إلى حد أن هجمات تلك التنظيمات أدت في المنطقة الحدودية المشتركة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، إلى سقوط أكثر من 20 ألف قتيل، وتشريد ما يقارب 4.2 مليون آخرين، على مدار سنوات قليلة.
ومن بين المقترحات المطروحة لتجنب أي اضطرابات إضافية قد تنجم عن تصدع بنيان «إيكواس»، أن تضاعف الدول المتبقية في المجموعة جهودها، لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أراضيها، على أن يتم التوصل بشكل مشترك، إلى سياسات أمنية ودفاعية فعالة، تكفل حماية بُلدان المنطقة. وينبغي أن يتواكب ذلك، مع التزام الأمم المتحدة وغيرها من الجهات المانحة الدولية، بتوفير ما يلزم من دعم مالي للبرامج الهادفة للحد من الفقر وإرساء الاستقرار في غرب أفريقيا، فضلاً عن تقديم المانحين التمويل والمساعدات اللوجيستية الضرورية، لتعزيز القدرات العسكرية للمجموعة، بغية تمكينها من مواجهة أي مخاطر حالية أو مستقبلية.
واعتبر الخبراء أن عملية استعادة الاستقرار الإقليمي في الغرب الأفريقي «لن تكون بالمهمة اليسيرة»، قائلين: إن التقاعس في مواجهة التهديدات التي تُعرِّض وجود «إيكواس» للخطر، قد يؤدي إلى إغراق المنطقة بأسرها، في مزيد من الاضطرابات وأعمال العنف.