دينا محمود (لندن)
على وقع تصاعد الاضطرابات في منطقة الساحل بغرب أفريقيا، كثفت دوائر تحليلية غربية تحذيراتها، من مغبة استمرار العجز عن التعامل مع الأسباب الجذرية التي تقود لتأجيج القلاقل في هذه البقعة من العالم، بما يهدد باتساع رقعتها لمناطق أخرى، داخل القارة السمراء وخارجها.
واعتبر المحللون، أن التركيز على النهج العسكري وحده في معالجة ما يشهده «الساحل الأفريقي» من أزمات، لن يقود إلا إلى تحقيق مكاسب مرحلية، وانتصارات تكتيكية، مشددين على أن الاقتصار على بذل جهود تتسم بذلك الطابع الأحادي، وتنصب على البعد الأمني بمفرده أو تسعى للحد من تدفق المهاجرين فحسب، أو تولي اهتمامها للجوانب الإنسانية فقط، أثبت عدم فعاليته، ولم يفض لبلورة حلول شاملة، لمشكلات المنطقة.
فمثل هذه الحلول تتطلب، وفقاً لمراقبين، استحداث أطر سياسية، من شأنها تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وترسيخ طابع الحكم المحلي اللا مركزي في دول الساحل، التي تحدها بُلدان الشمال الأفريقي من جهة، ومنطقة الصحراء الكبرى في القارة السمراء من جهة أخرى.
وبحسب المحللين، تعود جذور الأزمات التي تعصف بـ«الساحل الأفريقي»، إلى جملة من العوامل المتضافرة، وعلى رأسها الافتقار للحكم الرشيد في عدد من دول المنطقة، وتجاهل احتياجات وتطلعات شرائح لا يُستهان بها من سكانها، فضلاً عن انعدام الثقة بين بعض الفئات المجتمعية في هذه البُلدان وبين بعضها بعضاً، إضافة إلى الاستغلال غير المنظم للثروات الطبيعية هناك.
وقادت تلك العوامل، إلى أن تصبح تلك المنطقة أشبه بـ«برميل بارود» ينتظر الانفجار، بعدما صارت نهباً لعواصف سياسية واقتصادية وأمنية متزامنة، منذ عقود عدة.
ومنذ عام 2020، شهد «الساحل الإفريقي» 6 انقلابات عسكرية، وتصاعدت في أراضيه أعمال العنف والهجمات الإرهابية، بالتوازي مع تسارع وتيرة عمليات تهريب الأسلحة، وتزايد قوة العصابات الإجرامية وشبكات الاتجار بالبشر.
ويفاقم من خطورة الوضع الحالي في هذه المنطقة ذات الموقع الاستراتيجي، التقديرات التي تفيد بأن عدد سكانها، سيرتفع من 84 مليون نسمة في الوقت الحاضر، إلى 196 مليوناً بحلول عام 2050، ما يُصعَّد الضغوط الملقاة على كاهل حكومات دولها، التي تبدو بمثابة ممر يربط بين شمال غرب القارة وجنوبها، وتحاذي بُلداناً مطلة على البحر الأحمر، وأخرى تُطل على المحيط الأطلسي.
وشدد المحللون، على أنه ليس بوسع القوى الإقليمية والدولية المعنية بالوضع في منطقة الساحل، التي تمتد على مساحة تناهز ثلاثة ملايين كيلومتر مربع، تجاهل التوترات المتصاعدة في أراضيها لفترة طويلة، بالنظر إلى أن الاضطرابات المستمرة هناك، تفتح الباب أمام مواجهة سيناريوهات قاتمة، قد تزيد من تعقيد التحديات التي يعاني منها سكانها.
ومن بين هذه السيناريوهات، كما ورد في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لمركز «معهد أبحاث السياسة الخارجية» الأميركي للدراسات، اندلاع فوضى عنيفة مؤسساتية الطابع في المنطقة، بما قد يشمل في هذه الحالة، السلطات الحاكمة والجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة، والاتجار بالمخدرات والذهب والبشر.
وفي إطار هذا السيناريو، قد تنخرط هذه الأطراف، في محاولات محمومة، إما للتنازع على الموارد وإما لتقاسمها، دون اكتراث في الحالتين، بمصالح شعوب المنطقة.
أما السيناريو الثاني المحتمل، حال الفشل في كبح جماح القلاقل الراهنة في «الساحل الأفريقي»، فيتمثل في إمكانية تبلور تحالف واسع النطاق على طول الحدود بين هذه المنطقة والدول الواقعة إلى شمالها وجنوبها، وهو ما قد يضم الجماعات المتمردة والشرائح الاجتماعية، التي تعاني من التهميش.
ووفقاً للتقرير، يهدد استمرار حالة عدم الاستقرار الحالية في الغرب الأفريقي، بظهور سيناريو ثالث، تستغل التنظيمات الإرهابية في سياقه الفرصة، لكي تعلن قيام «خلافة»، كتلك التي أُعلنت في العراق وسوريا منتصف العقد الماضي على يد تنظيم «داعش» ولم يتم تفكيكها إلا على يد تحالف دولي عسكري وسياسي، قادته الولايات المتحدة.